ضوء آخر .. بقلم كميل فياض
2016-10-10 10:29:12
ضوء آخر ..
 
اتحدث عن حقيقة الوجود .. لكني في الواقع لا استطيع ان اتحدث عنها ، رغم انها الأكثر حضوراً ، الأكثر بساطة ، الأكثر مباشرةً ، فحقيقة الوجود التي تُسمى الله وأسماء أخرى، هي وجودنا .. 
أجل حقيقة الوجود هي وجودنا المباشر ، مع ذلك هي محجوبة عنا وغائبة .. 
أنا لا استطيع التحدث عن هذه الحقيقة ، فلا كلام يحتويها ولا كلام يعبِّر عنها ، ولذلك اتحدث وكل ما يمكنني ان اتحدث عنه هو الحُجُب والعوائق والإشكالات التي تحول بيننا وبينها ، ومن خلال تبيين ذلك هي تظهر وتتجلى ، حين نعطي كل انفسنا للإصغاء وللانتباه والفهم .. 
فما هي هذه الحُجُب والاشكالات والعوائق ؟ 
هي كل ما تعلمناه وكل ما حفظناه ، هي حركة الفكر المتصفة بالتجميع والتخزين والحفظ والاستذكار ، هي كل عمليات التفكير ونشاطه من تحليل وتركيب وتصنيف ومقارنات واستنتاج .. هي عقائدنا وعاداتنا وايديلوجياتنا ، هي احزاننا وافراحنا وغربتنا ، هي لهونا وعبثنا بمختلف اشكال التعبير ..
 واذا انطلقنا من اجل البحث عن حقيقة وجودنا التي هي حقيقة الانسان والانسانية والطبيعة والكون وكل شيء .. اذا انطلقنا للبحث عن ذلك من فرضية ان الحقيقة  مطلقة وازلية ابدية وفيها يكمن الجمال والحب والحرية والوجود بالذات .. اذا انطلقنا للبحث عن الحقيقة من هذا الافتراض ، فلا بد اولاً من تبرير هذا الافتراض منطقياً ووجودياً وشعورياً قبل السعي للبحث عن الكشف عنه وتحقيقه ، فربما يكون مجرد افتراض فلسفي خيالي طوبي .. 
كيف نفحص هذا الافتراض ؟  نتأمل نزعاتنا النفسية المختلفة ونتساءل : من اين تنبع هذه النزعات ولماذا تدفع بنا الى تحقيق مضامينها ،كحب الحياة والجمال والخير والسعادة والغنى والحرية الخ .. لماذا نكره الموت والأذى والألم ؟
فليس عبثاً ان نتلهف للماء الصافي القراح في صحراء مترامية الاطراف ، لا يوجد شيء ينبع من لا شيء .. ولا بد اذن ان تكون هذه النزعات والرغبات تعبيراً عن وجودنا الحقيقي الذي نجهله ونفتقده ، وما علينا الا ان نكشف عن اسباب الجهل والافتقاد ، فاذا انتبهنا الى ان عقلنا بمختلف نشاطاته وترجماته ،هو ما يصدنا أو يؤدي بنا الى موضوعات واهتمامات وأغراض لا تفي بالمطلوب الجوهري ، وهي الحياة الكاملة ، نلجأ عند ذلك للصمت وللسكينة والهدوء وننظر بترقب وتأمل ورصد لحركة الفكر وللهواجس وما تطويه وتتقصده فينا ، حتى يحصل التوقف الكلي للفكر ومرة واحدة ، وهنا تنجلي الحقيقة بصورة كلية وتشرق كجوهر كامل أبدي ، وهذا هو معنى الدين والتدين ..  
هل بعد هذا الكشف العظيم يمكن ان نعيش في وعي حقيقة الوجود ، اي في وعي وجودنا الجوهري ، ونمارس الحياة العادية في آن ، كالعمل والسفر والدخول الى المطعم والتعامل مع الناس بمختلف المواضيع ، وقراءة الصحف ومشاهدة التلفاز والتعامل مع الحاسوب والقيام بالواجبات الاجتماعية والسياسية والفنية المختلفة الخ ؟
اقول يمكن ان نقوم بكل شيء من داخل الوعي بوجودنا الجوهري ، بشرط ان لا تكن لنا اهداف شخصية ، يمكن ان نمارس الحياة بكل متطلباتها بدون دوافع انانية وبلا قصد الظهور والتميز ، وبدون شهوات ورغبات 
واطماع مادية قاتلة – اي خارج حدودها المعقولة والطبيعية -  فرغم ان كل شيء وكل فعل هو جزء لا يتجزأ من الوجود الظاهر والباطن ، الا ان هناك نوايا سلبية وافكار وتصرفات سلبية يجب الانتباه  لها والتحرر منها ، فلا يكفي ان نكون جزء من الحقيقة - كما يقول البعض - حتى نُشرِّع لها مكاناً في حياتنا الجوهرية والروحية ، فأيضًا الدخان جزء من اتقاد النار وفعل الاحراق فيها كما فعل الإضاءة ، فما الذي تريده لنفسك منها ؟ 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق