أمل العودة الى إقرث وكتاب " سنعود يوماً ..."
2016-11-05 14:07:44
أمل العودة الى إقرث وكتاب " سنعود يوماً ... " لعماد الياس يعقوب .
بقلم : الدكتور منير توما / كفرياسيف
أصدر الأستاذ عماد الياس يعقوب إبن قرية إقرث المهجّرة قبل أيام كتاباً حمل عنوان " سنعود يوماً ... " وهو عبارة عن توثيق لتاريخ إقرث ونضال أهلها المهجّرين في سبيل العودة الى قريتهم التي يعتمل الحنين اليها في صدورهم الى يومنا هذا بكل ما يعنيه ذلك من آلام التهجير عبر مراحلهم الحياتية على مدار ما يزيد على ستين عاماً . وقد كان عنوان الكتاب مُعَبِّراً عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية في عدم نسيان الموطن لا سيّما وأنّه قريب من أنظارهم وقلوبهم .
وحين قرأت الكتاب , وجدت فيه معلومات وافية عن قرية إقرث وذكريات أفراد كثيرين من أهلها الذين عايشوا وعاصروا تلك الأيام العصيبة من فترة التهجير واللجوء الى القرى والبلدات الأخرى في أعقاب تلك المحنة التي ألمّت بهم . ورغم كل ما مر َّ بأهل إقرث عبر هذه السنوات الطويلة من التهجير , فإنَّ اليأس لم يغْزُ قلوبهم , وناضلوا بكل ما أوتوا من قوة وجهد من أجل إحقاق الحق واسترجاع مسقط رأس أبائهم وأجدادهم بحيث أنهم لم يتركوا وسيلة من الوسائل لتحقيق هذا الغرض والهدف المقدس بالنسبة لأناسٍ مسالمين حاق بهم الظلم كما يصوره لنا وبكل موضوعية وأمانة ابن إقرث البار الأستاذ عماد الياس يعقوب الذي كان ضمن أكثر الذين سعوا وكافحوا بالطرق القانونية والشعبية بغية إعادة أهالي إقرث الى موطنهم الأصلي , وذلك بالتعاون مع الكثيرين من شخصيات وأفراد إقرثيين ومشاركتهم الفعّالة حيث شكّلوا اللجان والهيئات ولجأوا الى المحاكم وتفاوضوا مع الوزارات المختصّة بهذا الشأن , وتلقوا الوعود دون أن تأتي ثمارها .
وهذه المعاني جميعها أوردها الأستاذ عماد الياس يعقوب في كتابه الشامل الوافي عن إقرث وقضيتها التي يعتبرها بمثابة قضية شخصية له , علاوةً على أنه ينتسب الى هؤلاء المغبونين من أهل إقرث أصحاب الحق المهضوم والذين لم يفقدوا الأمل في العودة واستعادة حقوقهم مستندين الى قرار محكمة العدل العليا المشهور بحقهم في الرجوع , والى مقولة " ما ضاع حق وراءه مطالب " وهذا ما اراد الأستاذ عماد التأكيد عليه في كتابهِ انطلاقاً من إيمانهِ بمصداقية قضيته والتي هي قضية أهالي إقرث بأكملهم والذين يصفهم الكاتب بأُناس ٍ دخلوا في صراع ٍ مرير مع المسؤولين للاعتراف بحقوقهم في العودة , والذين لم يُترَكوا لوحدهم في هذا النضال كما يخبرنا الأستاذ عماد في كتابه ِ , بل إنَّ العديد من الشخصيات السياسية والشعبية والدينية والروحية قد أسهمت بجهودها الخيّرة لمساندة ودعم الأقارثة في قضيتهم العادلة وعلى رأسهم المرحوم المطران يوسف ريّا حينذاك الذي كانت له أياد ٍ بيضاء محمودة في إبراز الحق الضائع عبر المظاهرات والعمل رسمياُ مع غيره ِ من رجالات المجتمع والكنيسة , ولكن لمزيد الأسف لم تؤت ِ هذه الجهود ثمارها , رغم تكوين اللجان الحكومية المتعدّدة والتفاوض مع الوزراء المختصّين بهذا الشأن .
ومن الأمور اللافتة في كتاب الأستاذ عماد يعقوب حديثه الشائق عن حياة الأقارثة قبل التهجير وما يسرده من حكايات وطرائف ممتعة حيث يذكر أسماء أشخاص كانوا يمتازون بفرادة السلوك الاجتماعي إنسانياً من حيث تواصلهم مع أبناء قريتهم وعلاقتهم مع الآخرين , فالكاتب يسرد في كتابهِ أخباراً من ماضي القرية في شؤون التعليم والمدارس والمعلمين , ولا يفوته وصف الحياة الزراعية والاجتماعية وأعمال الفلاحة بما تتضمّن من أحداث طريفة خفيفة الظل يعرضها الكاتب بانسيابية وتدفّق وسهولة كأنه يعيش تلك الأيام متفاعلاً ومتجاوباً في اللاوعي مع أفرادها و فهو يتحدث ويصف الأمور بمحبة وشوق الى قرية آبائهِ وأجداده ِ , ويتعاطف مع ما استجدَّ في تلك الأيام من مظاهر مأساوية عابرة لبعض الأشخاص , وكأنه يرسم لوحة بالكلمات لأحداث وأفراد من الزمن الماضي لإقرث .
بالإضافة الى كل ذلك , ومما يضفي جمالية خاصة على شكل ومضمون الكتاب , أن الأستاذ عماد يعقوب قد ضَمّنَ كتابه ِ عدداً كبيراً جداً من الصور الفوتوغرافية تشمل صوراً لرجال ونساء أقارثة من الأحياء بمختلف الأعمار ومن الأموات المرحومين ومن الذين كان لهم بصمات في تاريخ إقرث , سواء كانت هذه البصمات متواضعة أو لافتة .
كما أنَّ الكاتب قد قدّم في هذا الكتاب صوراً عن نشاطات وفعاليات نضال أهالي إقرث وشبابها وصباياها من مظاهرات واجتماعات مختلفة , ومعظم هذه الصور كانت بالألوان مما يضيف رونقاً خاصاً لمحتويات ما تضمَّنه الكتاب . كذلك يعرض لنا الكاتب صوراً لما استخدمه أهل إقرث من أدوات منزلية , وما استخدموه ومارسوه في حياة الزراعة والفلاحة .
ومما يسترعي الانتباه في هذا الكتاب أن الكاتب قد وضع عبر صفحات الكتاب صوراً لوثائق ومستندات تتعلق بقضية إقرث على سبيل التوثيق لمراحل تداول هذه القضية سياسياً واجتماعياً وإعلامياً مما يضيف على رصيد الكاتب إتيانهِ بإيضاح ما ظهر وما خفي من ملابسات هذه المسألة التي اكتسبت اهتماماً جماهيرياً وشعبياً خاصاً أشار اليه الكاتب بإسهاب في سطور الكتاب دون إهمال أيه مرحلة من مراحل المفاوضات مع المسؤولين والإجراءات القانونية التي اتُخِذَت , أو الاجتماعات واللجان الخاصة بشأن القضية .
وأخيراً وليس آخراً , فإن كتاب الأستاذ عماد الياس يعقوب يُعَد وثيقة ً للحياة الإقرثية وأحداثها قبل التهجير , وما تعرَّض له الٌاقارثة بعد التهجير من معاناة وآلام تمثَّلت في مشكلة إيجاد الملاذ والمسكن بكل ما يحمله ذلك من مصاعب ومشاق على الصعيدين الإنساني والاجتماعي .
كذلك يمكن اعتبار كتاب " سنعود يوماً ... " توثيقاً مُدعَّماً بالصور والوثائق والمعلومات للمراحل العديدة والمتواصلة لنضال أهالي إقرث للعودة الى بلدهم واستعادة حقوقهم دون أن يترك شاردة أو واردة في هذا الصدد لم يذكرها الكاتب وذلك بالاستناد الى التفاصيل الواردة والتي توحي بهذا الانطباع .
ولعلَّ ما جاء في روح هذا الكتاب يشكِّل بارقة أمل ٍ وفاتحة خير ٍ لأهالي إقرث برجالها ونسائها
وشبابها وصباياها لاسترداد الحق الضائع وتجديد حلم العودة في المستقبل القريب في أجواء من الطمأنينة والسلام الإنساني بين الشعوب .
فللأستاذ الكريم عماد الياس يعقوب , خالص التحيات وأطيب التمنيات بالتوفيق ودوام العطاء .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير