العدم والوجود أيهما الهدف - كميل فياض
2016-11-07 08:34:33
العدم والوجود أيهما الهدف :
نحن نضجر ونحزن ونشمئز ونهرب من الواقع احياناً كثيرة ، ونتعب بسبب عدم وجودنا في ذاتنا الجوهري ، الذي هو وجود محض ، اي "عدم" او ما يشبه العدم - كما تستنتج البوذية وبحق – اذ العدم هنا هو عدم افكار ومشاعر وليس عدم وجود .. وفي الغيبوبة (الحقة) لا يوجد افكار ولا مشاعر، لا خوف ولا رغبات ولا شقاء ولا دوافع لشيء .. وهذه هي الحالة التي يبحث عنها من اضجرته اغراض الفكر والشهوات فأدمن المسكرات والمخدرات ، او انسحق في العبادات والغيبيات ، او في الواجبات وفي الاحتفالات المختلفة ..
ان العدم هو الحقيقة المطلوبة واما (الوجود) هو القشرة هو السطح المزبد المتقلب المضجر والتافه ، فأهلاً وسهلاً بالحرب العالمية القادمة - والكون ايضاً سيدخل في سبات طويل لكن للأسف ليس قريبًا - ..
وبرغم ما يبدو هذا الكلام تشاؤماً وسوداوية و(عدمية) الا انه كلام مستوحى من العمق في ضوء رؤية صافية لا يدخلها من شوائب الأنا وعشق الظهور وسخام الرغائب وضباب العواطف ما يشوهها ويعكس عكسها ، كما لدى اغلبية البشر، "وأكثر الناس لا يعلمون" ولقد انعكست مفاهيمهم ولبست ما تشتهي وتخاف ،وادخلتهم في العادة ،والعادة بنت الغريزة، والغريزة آلية قاهرة ساحقة عمياء .. وهذه العادة بما تطوي من مفاهيم معكوسة في التصور والادراك والسلوك ، لا تسمح للنظر من الوصول في حقيقة الوجود الى معناه وعمقه وأقصاه ، فتبقي الوعي في السطح الحسي والذهني بوجدانياته ورومنسياته وتصوراته وعقائده وغيبياته واحلامه ونظرياته ، وهكذا ينقلب الحق باطلاً والباطل حقاً والوجود عدمًا والعدم وجوداً ..
وما ركضنا المبتذل لإثبات وجودنا في الظاهر – كيفما اتفق عموماً – مع علمنا المسبق بزوال ظاهرنا بأي لحظة، مع الرغبة اللاواعية للخلود ،الا دليل وجوب العكس من الركض ، اي وجوب التحول من الكلام الى التفكير ومن التفكير الى انعدامه او التنبه لما وراءه في سكينة الوجود الأساس، الوجود الخالص من كل علة..
نحن نسعى لاستحضار لحظة الرضا او السعادة في الآن ، لكن الآن لا يوجد حقاً في مستوى المشاعر والأفكار لكونها تدفق غير ارادي ،غير قابل للضبط والسيطرة والإمساك ، واذ نحن نلاحق لحظة (سعادتنا) نركض وراءها انما نهرب من الحاضر من حضورنا الحقيقي الذي يقف وراءها بالذات، وبالتالي نحن غير موجودين في ذاتنا ، بل في الهرب الدائم منه دون جدوى لأننا نقصده عمليا من وراء سعينا ..
ولا وجود للعدم في الحقيقة ، انما هناك وجود محض مطلق وظلاله الشبه عدمية قياسًا له ، كوجود الغيوم التي تحمل من اشعة الشمس التي تجعلها مضيئة بالعرض وبالغير لا بالذات .. واذ تعتقد الغيوم بأنها تضيء من ذاتها هو الوهم ، وربما لا تدرك ذلك حتى عند تلاشيها واختفائها ، هكذا البشر الذين يستندون شعوريا ولا شعوريا الى عقولهم ومشاعرهم وما تبثه لهم حواسهم ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير