ملاحظات حول "تكفير الأديان" بقلم كميل فياض
2016-11-17 07:53:29
الى جانب تضامني مع المسلمين ضد منع مكبرات الآذان في البلاد ، انشر هذه المادة الناقدة التي تعني المسلمين والعرب بمختلف مذاهبهم ، ولا ارى اي تعارض ، بل بالعكس فهي على المبدأ نفسه الذي يدافع عن حق المسلمين اداء عباداتهم المشروعة حسب العرف والمبادئ الانسانية المعمول بها والمعترف بها قانونياً ودولياً ..
و(تكفير الاديان) هنا هو عنوان حلقة في برنامج "العين بالعين" لطوني خليفة - تلفزيون الجديد - ضيوف حلقته شيخ سني وآخر شيعي وضابط لبناني مسيحي متقاعد ..
ما دار في هذه الحلقة - كما رأيت - هو مختصر لما دار ويدور في تاريخ الشرق الاوسط في حلقته المفرغة، الا من الجهل والكراهية والتعصب والتكفير ..
لقد بدا الشيخ الشيعي اكثر اعتدالاً ومرونة من الشيخ السني بحيث لم يكفِّر كل من اتباع المعتقدات الأخرى، فقد حصر الكفر في من انكر وجود الله فقط ، بينما السني كَفَّرَ كل من لم يتوفى وهو على مذهب السنة .. أما المسيحي ورغم قوله بالتسامح والمحبة والصفح عن المعتدي الخ، كما جاء في اقوال وتوجيهات السيد المسيح ، الا انه كَفَرَ بنبيّ الاسلام وانكر الدين الاسلامي ،مستنداً الى الفكرة الإنجيلية التي تحذر من انبياء كذبة يجيئون بعد المسيح ، كما أنكر العهد القديم لصاحبه يهوى ..
لكن ما راعني حقيقةً ما جاء على لسان الشيخ السني وهو اظن لا يمثل الا نفسه وفئة معينة من المسلمين السنة ، فقد انكر جميع العقائد السابقة واللاحقة للإسلام السني جاعلاً من عقيدته ميزان ثواب وعقاب لجميع الأمم " فمن مات على اي دين غير دين السنة هو كافر ومصيره جهنم " وهكذا يتحول الانسان وسيلة للعقيدة بدل العكس وهكذا تُسحق القيم الانسانية بين أنياب الحرف الديني، وهكذا يصبح المعتقد الشخصي فوق مشاعر الآخرين حتى لو كانت مشاعر رحمة وتسامح ومحبة ، وفوق النوايا والأعمال فهي لا تشفع لصاحبها امام العقيدة .. لقد ظهرت عقيدة (شيخنا) كأقسى من حجارة الأصنام وأجهل وأكفر من الكفر نفسه ..
الخطر في تكفير الاديان المسماة سماوية ؟
الخطر في الايمان نفسه ، في الاعتقاد بأن في السماء إله مستقل بطبيعة ميتافيزيقية فوقية ، وقد ارسل لكل امة نبياً وكتاباً ، وعلى اتباع كل دين ان يصدقوا نبيهم وحده وكتابهم وحده وان يقدسوا كل نقطة وفاصلة وحرف ويثقوا بأن ذلك من عند الله .. الاشكالية المستعصية والخطر في جعل التصور والفهم الحرفي للنصوص الدينية كبداهة وقداسة وعصمة خارج النقاش والمراجعة ،مما اضطر بعض من الجماعات المؤمنة ان يذهبوا في تأويل نصوص الكتاب بعيداً عن معناها الحرفي الظاهري لكي تنسجم ومتطلبات العقل والروح قدر الإمكان ..لكن بسبب بقاء الغالبية من المسلمين على الظاهر الحرفي، برز التكفير لدى علمائهم لكل من خالف رأيهم ، وأصبح التكفير ابن الإيمان ومعلوله المنطقي والشرعي، وهكذا بات الانسان بروحه وضميره وسيلة للحرف الميت بدل العكس ،وهكذا أصبح الله ضاربًا أتباع الأديان المختلفة بعضهم ببعض ..
ان الخلاف العقائدي بين الاديان وبالتالي الصراع والاقصاء والتكفير - عموماً - بينها دليل غياب اهم ركائز الوجود الإنساني وهو العقل وقيم الإنسان الأساسية - المساواة العدل والإخاء - ان مجرد الإيمان بوجود اله وراء هذه الاديان هو دليل غياب العقل لدى اتباعها، وما قيامها واستمرارها وسيطرتها على ضمائر اتباعها الا تشويها للإنسان فيهم ومسخه .. اقول هذا دون نفي لمطلق روحي خلفي لوجودنا الحسي جميعاً .. لكن ما حدث لدى الفرق الدينية المختلفة ، هو احتكار كل منها لهذا المطلق حتى غدا مطلقات متعددة متضاربة متنافية حسب تفسيرات وتأويلات كل منها..
فهل يعقل – مثلاً - ان يستمر خلاف والجدل قام قبل 14 قرناً حول خلافة وزعامة المسلمين الى يومنا ؟ هل يعقل ان يمتد الخلاف والجدل ويتشعب ليبلغ السبعين ونيف من الفرق والمذاهب ، ثم بعد انقراض معظمها يستمر بين ابرز هذه الفرق وأكثرها عدداً – سنة وشيعة - ؟
ان كل منا – كبشر – مطالبٌ من منطلق واجبه تجاه الحقيقة، لأن يكشف عن جوهر كيانه ،عن ماهية وجوده بنفسه ، وفي سبيل ذلك لا بد من تجاوز كل وسيط نقلي سواء حرفي او تأويلي ، بعد ذلك يصبح لكل حادث حديث ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير