رماح يصوّبها - معين أبو عبيد
مشاهد تهزّ القلوب وتقشعر الأبدان
عائشة وشيماء طفلتان امرأتان ما دون اثني عشر ربيعًا
أعترف أن قلمي الذي لم يعتد على كسل، ولم يجفّ يومًا كاد يتمرد ويجفّ، إذ ارتعشت يدي وتسارعت خفقات قلبي، وبالكاد التقطت أنفاسي، ولم يكن من السهل أن أتابع مشاهدة أحداث قصة عائشة وشيماء على شاشة ال "إل بي سي" اللبنانية عبر برنامج "أحمر بالخطّ العريض" الأربعاء الأخير، والذي يعرض مواضيع اجتماعية، ويفتح حوارًا جريئًا يهدف إلى الكشف عن القضايا والحوادث التي تدور في عمق المجتمع اللبناني تحديدًا، والعربي عامة؛ بغية التوعية ومعالجتها من خلال طرحها على المؤسسات المختصة.
وفي حلقة الأربعاء الماضي، سلّط مقدم البرنامج، الإعلامي المشهور مالك مكتبي، الضوء على قصص زواج قاصرات سلب ضحكتهم العفوية، طفولتهم، وبراءتهم.
أنا على قناعة تامة أنى لست الوحيد الذي صُدمَ ممّن شاهدوا هذه الحلقة بالذات، ولم يكن لديهم أي تفسير، وكادوا لا يصدّقون ما شاهدوا بأم أعينهم وسمعوا بآذانهم. والسؤال الذي يثير الدهشة ويطرح نفسه: كيف يمكن لدولة مثل لبنان الحضاري والديموقراطي، وفي القرن الحادي والعشرين أن تسمح بزواج أطفال ما دون سنّ الثانية عشرة، وهم لا يفهمون معنى الزواج، وما زالوا بحاجة إلى العناية والرعاية وحنان الوالدين؟!
فملامح هاتين الطفلتين ودموعهما ونظراتهما تكفي وتغني عن كل الوصف والعبارات عما يعتمل في داخلهما، فكأنهما تصرخان في وجه الإنسانية تطلبان الرحمة وإنقاذ طفولتهما. ومما يثير الدهشة ويزيد الطين بلة دور الأهل الذين دعموا، سعوا، بادروا، وأرغموا أطفالهم على هذا الزواج من أشخاص لا يعرفونهم أو يشاهدونهم من قبل؛ بذريعة حمايتهم وسترتهم والمحافظة على العادات والتقاليد، متجاهلين شعورهم، معاناتهم، أبعاد وانعكاسات تلك الخطوة السلبية على شخصيتهم وحرمانهم من مقاعد الدراسة.
وقد فضح هذا البرنامج العديد من المشاكل الاجتماعية المأساوية من أعمال عنف، اغتصاب، واستغلال، وفتح مئات أماكن الدعارة ومشاكل لا تحصى ولا تعدّ.
إن عنوان هذا البرنامج "أحمر بالخطّ العريض" ،عنوان صغير جدّا مقارنة مع حقيقة ما شاهدناه، ولا يمكنه أن يصور ويعبر عن جزء بسيط من حجم المأساة وأبعادها، فكل عناوين أصحاب الأقلام لا تستطيع أن تصف خطورة مثل تلك المشاهد المتفشية في مجتمعنا .
ومن خلال دراستي المتواضعة للأوضاع في لبنان، اتضح أن لبنان يعاني من عدّة مشاكل معقدة وفي مجالات مختلفة كالبطالة، فمن بين كلّ ثلاثة شبّان نجد واحدًا عاطلًا عن العمل؛ وذلك لعدم وجود سياسة واضحة لسوق العمل، وهي بمثابة مصيبة اقتصادية اجتماعية بحاجة إلى خطة حكيمة فورية لمعالجتها وخاصة بعد تدفق اللاجئين السوريين، كما تشير الاحصائيات أيضا إلى أن نسبة الطلاق وصلت منذ سنة 2007 ولغاية اليوم حولي 28% .
باعتقادي، أن ظاهرة زواج القاصرات ما هي إلا اغتصاب بحماية الشرع والقانون العلني، أو هي حكم بالإعدام، وهذا يذكرني بأيام الجواري والعبودية.
وبعد فالمطلوب لحلّ هذه الآفة الاجتماعيّة هو تدخّل المنظمات، المؤسسات الإنسانية والحكومية، وتجنيد كل الطاقات والإمكانيات لوضع حدّ لهذه الجرائم، ومعاقبة كل من يقف وراءها ويدعمها بأيّ شكل من الأشكال وإنزال أقسى العقوبة على كواهلهم