مدارسنا.. والسّجائر "الملغومة"!
مطانس فرح
مرَرْتُ صُدفةً؛ عاينتُه جالسًا وسط الطّلّاب على قارعة الطّريق؛ رَمَقتُهُ، فنفثَ في وجه أحد زملائه دخّان سيجارته، ناوله السيجارة وطأطأ رأسه خَجِلًا.. نعم، فرائحة دخان سيجارته لم تترك لي مجالًا للشّكّ!
لا تُجاوِز – للأسف - سنّ هذا الطّالب، الّذي تجاوَز تعاليم وتربية والديه، السّادسة عشرة بَعد. هاتفني، لاحقًا، طالبًا منّي ألّا اُخبِرهما؛ متوسّلًا ومؤكّدًا أنّها ستكون سيجارته الأخيرة..!
"من أين لك هذه السيجارة "الملغومة"؟" – سألته مُستفسرًا.
"حصلتُ عليها من أحد زملاءِ مقاعد الدّراسة" – أجاب.
ولأقطع شكّي باليقين، لِما تناهى إلى مسمعي مؤخّرًا؛ سألته: "وأين تمّت هذه "الصّفقة"؟".
فأجابني تَوًّا، وبلا تردّد: "في أروقة المدرسة"(!)؛ وأضاف مُتسائِلًا بدوره: "ألا تعلم، كما تعلم قلّة قليلة من أبناء مجتمعنا، أنّ بعضَ طَلَبة الثّانويّات "يبتاع" سجائر الماريجوانا والحشيش، داخل المدارس؟"(!).
"نعم.. أعلم" – قلت له غاضبًا.
نعم.. إنّ انتشار سجائر الماريجوانا والحشيش داخل مؤسّساتنا التّربويّة/التّعليميّة تعدّى، منذ مدّة طويلة، حدود الجامعات والكليّات وحتّى المقاهي والبارات ليصل إلى مدارسنا الثّانويّة، الأهليّة منها والرّسميّة!
أعلم أنّ مدارسنا العربيّة تتناحر فيما بينها، لتتفاخر بإنجازاتها التّعليميّة وتفوّق طلّابها.. وماذا عن الرّسالة الأخلاقيّة التّربويّة؟ فهل يأتينا هذا التّناحر هربًا من.. أم بحثًا عن..؟!
هناك ارتفاع في عدد الطّلّاب الّذين يتعاطون سجائر الماريجوانا في داخل مدارسنا العربيّة وخارجها؛ فكما توفّر بعض هذه المدارس تعليمًا بمستوًى تصبو إليه كلّ مدرسة، عليها أن تُغزِر طلّابها بتربيةٍ سويّة وتوعية ناجعة.
وكما تفرض الإدارات الأزياء المدرسيّة الّتي تحمل شعارات مدارسها، أيضًا، وتمنع الطّلّاب من دخولها إلّا بلباسهم هذا الزيّ، عليها أن تمنع كذلك إدخال السّجائر العاديّة و"الملغومة" وبعض أنواع السّموم.
على إدارات المدارس أن تصحوَ من سباتها وتستخدم كافّة صلاحيّاتها لمحاربة هذه الآفة، وألّا تطمر رؤوسها في الرّمال كالنّعائم؛ حِرصًا منها على "سمعة" المدرسة وخوفًا من نشر غسيلها المتّسخ! لأنّها مخوّلة وقادرة على درءِها.
وقبل أن تقوم مدارسنا الأهليّة والرّسميّة بواجبها التّثقيفيّ والتّعليميّ، عليها أن تقوم - جادًّا وسريعًا - بواجبها التّربويّ أساسًا، كَيْلا تتحوّل سيجارةً "ملغومةً" في أروقة باحاتها إلى سلاح خطير وفتّاك، وعليها أن تدرك جيّدًا أنّ كلّ طالب وطالبة من طلّابها يحمل على صدره الشّعار المدرسيّ، لأنّه أوّلًا وأخيرًا، بلباسه هذا الزيّ، يمثّل المدرسة ويعكس صورةً عنها، أليس كذلك؟!
لا أريد التّطرّق في مقالتي هذه إلى مضارّ التّدخين والأخطار الرّئيسيّة الّتي تؤثّر على صحّة البالغ، الجسديّة منها والنّفسانيّة، فكم بالحريّ صحّة ونفسيّة أبنائنا المراهقين.
وكنتُ قد حذّرت خُفيةً بعض مديري مدارسنا من مغبّة هذه الظّاهرة، فانتفضوا وثاروا وأنكروا..! كما حذّرت علنًا عبر المواقع والصّحف، فصدَقت. لا يمكن لمدارسنا صرف النّظر والاستهانة، وكنس عيوبها لإخفائها تحت الطّنافس؛ حفاظًا منها على "سمعة" المدرسة ومكانتها.. ففي فعلتها هذه ضياع للنّفس والأخلاق والجسد.
ترِدني، أسبوعيًّا، أخبار عن توافر الماريجوانا وتداولها داخل بعض المدارس العربيّة، ما يدعو إلى القلق والخشية. على إدارات المدارس التّعاون مع كافّة الأطراف المخوّلة للقضاء على هذه الظّاهرة، حتّى إن دعت الحاجة إلى تدخّل الشّرطة؛ كما سبق وحدث في إحدى مدارسنا(!).
علينا أن نثقّف طلّابنا ونكثّف من الفعّاليّات والمحاضرات الّتي تحذّر من مخاطر التّدخين والمخدّرات والسّموم في كافّة مدارسنا؛ وعلى إدارات المدارس "المحترمة" عدم التّساهل والتّهاون في مثل هذه الأمور، والتّستّر عليها.
من الأجدى بإدارات المدارس التّعامل بكلّ حزمٍ من دون تؤدّة، وبكل موضوعيّة وصدقٍ وشَفَفٍ وشجاعة ونزاهة للقضاء على هذه الآفة التي لم تعد مقتصرة على مدرسة دون سواها..!
وتذكّروا أيّها المديرون أنّ السّجائر "الملغومة" ستتحوّل إلى قنابلَ "موقوتة"؛ فالحالات لم تعد خاصّة والشّكاوى الّتي تصل بهذا الخصوص أصبحت عامّة!
وللحديث تتمّة..
(*) الكاتب صحافيّ حيفاويّ، مدير تحرير صحيفة "حيفا"