من يصحو قليلاً من غمرة الحياة ومشاكلها والتزاماتها الاجتماعية، الاقتصادية، الانسانية والعائلية وغيرهايرقب بأم عينه ما يدور حوله بشتّى دروب الحياة، فيرى المخلوقات على إختلافها من ناطق وغير ناطق وكذلك منها الأعشاب والنباتات، ولكلٍ صفاته، الوان مظاهره الخارجية وجواهره الباطنية... الخ.
واذا تأنى المرء في هذه الصحوة ما بين المظهر الذي يعطي ويعكس نوره في بعض ألأحيان والجوهر الذي في طيّاته كنه وخفايا هذا ألإنسان أو ذلك المخلوق أياً كان، فقد ينظر الانسان الى صديقه بالقرب من منزله أو في حديقة عامة أو في أي مكان آخر فيستنشق الروائح الزكيّة العطرة من النباتات الساحرة والفتّانة بألوانها الزّاهية، ويقترب المرء منها ويعجب بهذه الرائحة وهذه الألوان، وسرعان ما يقبل على مسّها فاذا بها تخدشه بأشواكها الخفية التي في داخلها وربما يتألم هذا المرء من ذلك.
وإذا امعنّا النظر في فصل الشتاءوفي منطقة جبلية، عالية ومغطاة بالثلوج نراها مكسوة باللون الابيض الناصع وبعد فترة وجيزة نرى هذه الثلوج قد أخذت بالذوبان لتكشف لنا الحقيقة وهي ان الثلوج تخفي مروجاً مليئة بالنبات والاشواك وبكل شيء.
وفي فصل الشتاء ايضاً تتلبد السماء بالغيوم ويسوّد لونه لفترة معينة فترى سواد الغيوم الكثيفة يخيّم على الكون وفي ساعات المساء والليل ربما تنقشع هذه الغيوم الى حدٍ ما، فانك تبصر ان خلف هذه الغيوم ترى النجوم البراقّة والمتألقة تعطينا النور من بُعد.
ان هذا ألأمر لا ينطبق فقط على السهول والمروج والثلوج والنباتات والحدائق والنجوم والرياحين وانمانرى ونلاحظ الكثير الكثير من هذه ألأمثلة في صفوف بني البشر.
فكثيراً ما نرى أو نعايش إنساناً جميل المنظر رشيق القامة متعلّماً ويلبس أفخر الملابس ، وبعد فترة وجيزة سرعان ما نكتشف ان وراء هذا كله، وراء الجمال والعمل والرشاقة والمنظر الجذّاب تكمن في نفسه وذاته الضغينةويتأصل الحقد والكراهية وربما يأخذ اللؤم قسطاً في ذاته، فهذا النوع من البشر أشد خطراً من ورد الحديقة أو البستان ، ألأمر الذي يلزمنا الابتعاد عنه طالما عرفناه على حقيقته، وربما يرقب المرء في طرف آخر مسؤولاً في إطار إجتماعي آخر يطلق هنا وهناك.
وفي المجالس ألإجتماعية الكلمات الرنانة والادعاء بعبارات منمقة بأنه ألأفضل وبأنه يستميت في سبيل المصلحة العامة ومصلحة ألآخرين، يتوعّد ويحزم وينتقل من ديوان الى آخر ويتابع مسيرته في الاغراء والتظاهر بما ليس فيه وكيل الذم للآخرين الذين لا يروق له ان يتقدّموا وبعد فترة وجيزة تنكشف الحقيقة يوماً بعد يوم ليتيقن الناس ان هذا المرء جيداً في المظهر الا انه سيئاً في الجوهر، وتثبت الأيام انه عكس ما يتظاهر تماماً فان هذا النوع من البشر الذين يكنون السوء للآخرين تحت غطاء وتستر حقاً لا مكان لهم في المجتمع الصالح وفعلاً المجتمع ليس بحاجة لهم ولأمثالهم.
وكثيراً ما يرى المرء في حياته ويجالس الكثيرين من القنوعين في الحياة وحياتهم متواضعة وتعاملهم إنساني وكل همهم فعل الخير ، الا انهم بسطاء في تصرفاتهم ولا يكترثون بالمظاهر الخارجية بل يركزون على الجوهر الداخلي للمرء، ومن خلال النظر اليهم لا يمكن تفهّم مدى إنسانيّتهم الا عندما نأخذ ونعطي معهم، نتعامل ونتيقن عن قرب من خلال ذلك وعندها نكتشف الانسانية وحسن المعاملة والجوهر السليم الصافي الذي يثلج الصدور، فهؤلاء هم حقاً أدميون وعماد المجتمع الصالح.
وألأمثلة كثيرة جداً ومتنوعة ويمكنها ان تشمل ألأغلبية الساحقة ممن يعيشون في هذا الكون فلكلٍ مظهره وجوهره وفي بعض ألأحيان نرى كما سبق وذكرت ان الجوهر يختلف عن المظهر وبالعكس، ويمكن لكل منّا إعطاء العديد من ألأمثلة على ذلك لأنه يصعب حصرها لكثرتها بين ظهرانينا.
وعليه أرجو أن أنوه هنا الى أنه يترتب علينا جميعاً في هذا المجتمع ان نسلك الطريق القويم وان نعمل معاً جاهدين على ملائمة المظهر للجوهر، ونتجنّب السلوك غير المقبول في العرف الإجتماعيّة ونتعامل بصدق اللسان الصادر عن القلب، عندها نكون قد ساهمنا في تخفيف الفوارق في المجتمع، وربما تقل الخلافات والحزازات وتنتشر المحبة وروح الأخوة بين الافراد في العائلة الواحدة، الاسرة الواحدة، والمحيط الواحد، وربما في انحاء المجتمع برمّته، وعندها معاً يمكننا ان ندفع مجتمعنا نحو الافضل لنعيش متحابين- أوفياء – أمينين على بعضنا البعض صادقين في تعاملنا، لأن في ذلك حتماً صلاح المجتمع وربما يساعد ذلك في تخفيف التذمّر وألألم الذي يشعر به الكثيرون في مختلف دروب الحياة.