الكتابة هي نوع من الهلوسة ، هي عادة ،هي حبر على ورق ، كلام ، اشارات فوتونية في الأثير ، وبكل الاحوال الكتابة وسيلة توصيل وتواصل ،وحين نكتب نفترض ان هناك من سيقرأ ، ولا نتأكد ان هناك من يقرأ الا عندما نرى تحت كتاباتنا (لايك) - في حالة الفيسبك - ولا نعرف ان كان هناك من يتفاعل ويفهم او يحاول الفهم والتقييم والتقدير لما نكتب ،الا عندما نرى تحت كتاباتنا تعقيبات او تعليقات .. اذن ما يجعل الكتابة ليس هلوسة او اشارات صم وبكم في الفراغ هو التفاعل او التجاوب ايجاباً او سلباً مع ما نكتب .. لكن هل من الضروري ان نكرر ما نكتب حتى مع وجود تجاوب وتفاعل " كصباح الورد ومساء الفل وما الى ذلك من كلمات امل وتفاؤل وخير وبطيخ " ..؟ الا تغدو الكتابة فعلاً هلوسة ومجرد عادة قهرية ووسواس ..!
ماذا تعني الكتابة ( تجاوزيا) ؟
انها جزء من طاقة الوجود وجزء من إشعاع عفوي لا غرض منه سوى الاضاءة ، بغض الطرف عن النتيجة والمردود ، وهناك من يساعدهم الضوء على الإبصار ، وهم قلة قليلة ،وهناك من يزيدهم عماءً وهم كثرة غالبة .. كل الكتابات تقريبًا ليست بهذا الفهم والتجريب والاعتبار ،فهي نتيجة الاندماج مع الإيجو الذي هو تركيب من شخصية الشخص وجوهره ،وقد غاب الجوهر في ظلمة الحواس والافكار والرغبات والمخاوف ، وكتابة تستند الى الايجو هي جزء لا يتجزأ من وقوده وقيامه وظلمته وحاجته للاستمرار ، بينما كتابة المستنير نابعة - على الغالب – من وحي الذات الحقيقي بعد فك الارتباط مع الايجو .. الايجو المستوجب للثمن والمقابل ، فهذا العدم يريد ان يُثبت وجوده دائمًا على حساب الموجود الفعلي عبر غياب الحقيقة ..
معظم الذين ينشرون على الفيسبك رهنوا انفسهم لرود الآخرين الافتراضيين ،فكشفوا عن صدورهم لسهامهم ، وهذا غاية في الخطورة ، عليه تحدث ازمات نفسية لكثيرين وكثيرات بسبب هذا التواصل غير المسؤول ، بما فيهم مثقفين وكتاب وشعراء الخ.. أنت مع الفيسبك امام ما لا يحصى من افكار وطروحات وامزجة ، ولقد دخل عقول الكثرة ان قيمتهم تحددها كثرة اللايكات او قلتها ، كثرة التعقيبات او قلتها ونوعيتها ، هكذا باتت نفوسهم تتأرجح حسب الاحوال الجوية للفيسبك ، فهل هناك حلاً ؟ نعم الحل اولا واخيرا في فهم المشكلة، والمشكلة هي الجهل بأنفسنا وما تنطوي من قيمة عظيمة لا تخضع لتقييم احد من الناس على الاطلاق ..
لكن مع غياب الوعي الحقيقي للذات يبرز الايجو بصورة اوتوماتيكية وتلقائية ، كظهور العتمة مع غياب النور ، وكانتهاء اليقظة مع الدخول في سبات .. الايجو يعيش على الظهور في اي شكل من اشكال التعبير بصورة تجعله مميزاً بحسب اعتقاده وتصوره ومادته ، والآخرين هم الذين يزودوه بالغذاء المطلوب لذلك من خلال الاستجابة وتقديم الاعجاب والمديح او بالاختلاف مع المطروح والصراع والتوتر السلبي، فاذا باتت وسائل الايجو غير فاعلة يبحث عن طرق جديدة للاثارة والتنبيه والالفات ، من خلال ثياب جديد ،من خلال صور جديدة ، مظاهر اخرى ،من خلال مقتنيات ومشتريات معينة ، افكار جديدة ،من خلال تعابير مختلفة وهكذا.. ومن الملاحظ اننا حين لا نحصل على الاشباع الايجوئستي او على الاقرار بالايجو خاصتنا نحوِّل المشكلة الى مشاكل والى قضايا ومسائل اخرى لا علاقة لها ..
ونشعر اننا ضحايا ومظلومين ، يداخلنا هاجس بأن الآخرين مقصرين معنا ،او غير مخلصين لنا ،لا يبادلوننا ( العطاء) لا يحترموننا ،متعالين علينا وهكذا .. بل ونشعر بخيانتهم وغدرهم ، فنصب جام غضبنا على الدنيا وما فيها ، نلوم ونبكي ،ونشتكي ،وننتقد ونحقد .. والعياذ بالله ..
في الواقع لا يمكننا التخلص من الايجو نهائيا حتى لو كنا مستنيرين نتوخى التخلي عن كل نشاط سوى مراقبة الوعي للتحرر من الايجو ، حتى ونحن في الكهوف البعيدة وفي الوديان والجبال والصحاري .. رغم ان الايجو وهم وعدم في ذاته وهو مصنوع من افكار وهواجس اتخذت هويتها كصورة معنوية لصورة الجسد المادي داخل الوعي ، لكن طالما هناك تنفس هناك تفكير وطالما هناك تفكير يوجد ايجو ، والفرق بين المستنير وغيره ، ان المستنير كشف في لحظة ما عن هذا المخادع الوهمي العدمي ، وبهذا تكون الاستنارة عملياً ، بينما الآخرين لا فكرة لديهم عن الموضوع بسبب خضوعهم الكامل لثنائية الوعي واللاوعي في الانقسام الذاتي الوهمي لذات وموضوع ، ولمدرِك ومدرَك ..