"سنةٌ تغيبُ إلى الأبدْ...وعامٌ يحلُّ على مَضَضْ!!"
27/12/2016 - 11:09:32 am

"سنةٌ تغيبُ إلى الأبدْ...وعامٌ يحلُّ على مَضَضْ!!"

تأليف:شريف صعب-أبوسنان

    إذهب غيرَ مأسوفٍ عليكَ أيُّها العام المنصرم،فقد تبشّرنا بك خيرًا،كعادتنا في كلِّ عامٍ، عندَ حلولكَ،علّقنا عليك الآمالَ والأُمنياتِ الكثيرةَ وبنينا أبراجًا شاهقةً من الأوهام ،كمن يراهن على ورقة"رهانٍ"خاسرة،واعتقدنا أنّك ستكونَ عامًا"أوتوبيًّا"،مليئًا بالسّعادة والوفرةِ والهدوءِ...على البشَريّة جمعاء،ولكنّكَ،كأخوتك من قبلك،أبيت إلّا أن تكونَ مخيّبًا لغالبيّةِ الآمال البَشَريّةِ...فهل يُغيّرُ الزّنجيُّ جلدهُ أو النّمرُ سلوكهُ،كما يقول المثلُ العبريّ!!؟...لا وألف لا!استقبلناك بالهُتافِ والرّقصِ والغناء الصّارخ...حتّى قُبّةِ السّماء فانبحّت حناجرُنا وأطلقنا لك ملايينَ المُفرقعاتِ وطرنا طَرَبًا،ولكنّك أنتَ أنتَ...فإنّ الّله لا يُغيّرُ بقومٍ...!

  لقد كانت فُصولك وشهوركَ عاديّةً وشمسكَ حرقت وأحرقت كما يحلو لها ،وقد جاء خريفكَ "ناشفًا-حاشفًا"،ولم يُبلّلُ ريقنا ولو بقطرةِ ماءٍ واحدة، فقد كنتَ كمن سبقوكَ، فأعداد الموتى بحوادثِ الطّرقِ زادت والكوارثُ والحروبُ بالآلافِ ومصائِبُ الدّهرِ ضربت كما يحلو لها والأمراضُ ضيّقت الخناقَ على رقابِ أصحابها...وهبوبُ الرّيحِ لا مردَّ له...في هذا الكونِ العجيب الغريب،فالسّلام ابتعد أكثر والمظالم،حدّثْ ولا حرَج!

                فالأرضُ أرضٌ والسّماءُ سماءُ                       والبحرُ بحرٌ والهواءُ هواء

  فيك أيّها العام المنصرم زاد الإرهابُ وزُهِقت الأرواحُ البريئَةُ وكثرت الظغائنُ والأحقادُ وساءتِ الأخلاقُ وحصل إنفلاتٌ خُلُقيٌّ لم يسبق له مثيل في تاريخ البشَريّةِ،عندَ الشّبابِ واُفسدتِ العقولُ وكثر النّفاقُ واستشرى الحسَدُ الأعمى...وتقطّعتِ الأوصالُ...وشاط الطّمعُ والجّشعُ وساءَتِ النّوايا...ناهيك عن الغِشِّ والاحتيالِ والخداعِ بين النّاسِ،والأنكى من ذلكَ،ضعُفَ الإيمانُ!

  شيءٌ واحدٌ لم يتغيّر في هذا الكون العجيب هو نظامُ الغاب،فهناك لا يحسبونَ للزّمن وللسّنواتِ حسابًا وهم لا يتعاملونَ مع الجدول السّنَويّ،وما يهمّهم هو بقاؤُهم أحياءَ...لا غير،فمن يُشبِعُ بطنَهُ يخلدُ إلى الرّاحةِ وهذا هو جلّ اهتمامهم...

  فيا ليتنا نتعلّمَ منهم!!إذهبْ غيرَ مأسوفٍ عليكَ يا عامَ ألفينِ وستّةَ عشر،فقد بعتنا الأوهامَ وبدَّدتَ أحلامَنا!

 ...مع ذلكَ فلا نُنكر أنّك فعلتَ ما لم يفعلهُ سابقوكَ في الماضي...فقد دبّرتَ الشّؤونَ الّلبنانيّةَ برئيسٍ دولةٍ وبرئيس حكومةٍ جديدَينِ...ثُمَّ  توّجت على رأسِ العالم الحُرِّ رئيسًا غريبَ الأطوارِ في شخص"دونالد ترامب"...وألقيتَ قنبلةً سياسيّةً في مجلس الأمن الدّوليّ تمثّلت، ولأولِ مرةٍ في التاريخ الحديث، بقرارٍ أمريكيّ بعدم إلقاء حقّ النقض"الفيتو"...ما أدّى إلى إدانة أُمَميّةٍ لإسرائيل على سياستها غير المنصفة في الأراضي المُحتلّةِ وبحقِّ الشّعب الفلسطينيّ المغلوب على أمرهِ، ولم تنسَ أن تُدمّرَ حلبَ الشّهباء،عن بِكرةِ أبيها...وتخطفَ منّا قائدًا كبيرًا كَ..."فيدل كاسترو!"

   طَلَبُنا منكَ أيُّها العامُ الرّائحُ دونَ رجعةِ...أن تتوصّى، أن تتوصّى بنا،نحن بني البشَر،الضُّعفاء والمساكين عند أخيكَ الّذي سيليك،عام ألفين وسبعة-عَشَر،أن يتشفّع لنا عند الأقوياء وأن يرُدّ عنا شرّ الأشرار وأن يحمينا من الحاقد الغدّار الّذي، لتحقيق مآربه،مُستعِدٌّ للدّوْس علي جثثِ ورقابِ الأبرارِ والأخيار!

  ليت العام المنصرمَ،قبل خروجه،يُعيدُ لنا قواعدَ المُثُلِ السّاميةِ الرّاقيةِ كَ:"أحب لغيركَ ما تُحبّ لنفسكَ!"أو:"وإن جنحوا للسّلمِ فاجنح لها!"أو قولَ الشّاعرِ:

               "تواضعْ تكن كالبَدرِ لاحَ لناظرٍ                       على صَفَحاتِ الماءِ وهو رفيعُ

            ولا تَكُ كالدُّخان طارَ تكبُّرًا                           إلى طبقاتِ الجَوِّ وهو وضيعُ!"

  أو قول المُتَنبّي:

              "أمّا القناعةُ فاحفظها تَكُنْ مَلكًا                        حتّى ولو جاءَ منها راحةُ البدنِ

           وانظرْ لمن ملَكَ الدُّنيا بأكملها                        هل راحَ منها بغيرِ القطنِ والكَفَنِ!؟"

    أعذرني أيُّها العامُ المُنصَرِمُ فلقد أكثرتُ من لومي عليكَ وعلى أخوك الّذي سيحلُّ بعد بضعةِ أيّامٍ، فعلتُ ذلك وحمّلتُكُما أكثرَ ممّا تقدرون،وأجلستُكُما على كرسيّ الاتّهامِ،مع أنّهُ لم يكُنْ لكُما فيما حصلَ ناقةً ولا بعيرًا...!

         لم يكن ذلك مُنصِفًا من جانبي،وفي الحقيقةِ كان عليَّ أن أوجّهَ ملامتي لنا،نحن بني البّشّر،فما الشّوائبُ والعُيوبُ إلّا بنا،حيث نحن الّذين نحملُ في عقولنا وفي قلوبنا كلّ الصّفاتِ البهيميّةِ والحيوانيّةِ الّتي تُعاني منها مجتمَعاتنا البَشَريّةُ،فما"التّوكُ"(النّقصُ) إلّا بنا...في نفوسنا ،يُعشِّشُ في عقولنا،ولا يُغيّرُ الّلهُ في قومٍ...

   لقد صدق الإمام"الشّافعي" حينَ قال:

                   "نعيبُ زماننا والعيبُ فينا                         وما لزماننا عيبٌ سوانا

               ونهجوا ذا الزّمانِ بغيرِ ذنبٍ                      ولو نطقَ الزّمان لنا هجانا

           ...وليسَ الذّئبُ يأكُلُ لحمَ ذئبٍ                        ويأكُلُ بعضَنا بعضًا عيانا!!"

  مع تمنّياتيَ القلبيّةِ للعالمِ المسيحيّ والإسلاميّ واليهوديّ،بمناسبة الأعياد المجيدةِ،مُتضرّعًا للّهِ عزّ وجلَّ اسمهُ أن نصلَ إلى نهايةِ العامِ القادم،الفين وسبعةَ عشَرَ،وقد ملأَ الإيمانُ قلوبنا والمحبّةُ نفوسنا والتَّسامح والقناعةُ والتّواضعُ بَصائرنا...والسّلام قد حلّ في ربوعِ العالمِ بأكملهِ!

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق