حكي السرايا... حكي القرايا بقلم: دكتور نجيب صعب – أبوسنان
هذه العبارة نسمعها تتردد على الألسن في كثير من المناسبات, وفي غالب الأحيان لا يفقه السامعون معناها, أو لا يدركون ما يقصد بها, فقد نسمع بين الحين والآخر الكثيرين ممن يبدون رأيهم في موضوع ما وبطريقة الصدفة يقولون : "حكي السرايا ما بيجي على حكي القرايا", لهذه الكلمات معان يترتب على صاحبها وكذلك على سامعها أن يفهمها كل منهما جيدا.
فيقصد بالسرايا المؤسسات الكبرى الحكومية والرسمية التي تعرف وقائع الأمور, والمصدر الأول لكل معلومة أو لكل مشكلة أو أي موضوع كان , له علاقة بحياتنا اليومية, و بمعنى آخر هي المرجع الأول والأخير وفيه تكمن صحة الأمور على حقيقتها وعندها الخبر اليقين.
والقرايا المقصود بها القرى والريف, والضواحي النائية البعيدة عن المدن ومراكز الأحداث, وما يدور فيها من أمور تتعلق بموضوع معين, أو بمشكلة معينة حيث تسمع تفوهات أو معلومات لا تمت للحقيقة الواقعة بصلة, بعيدة كل البعد عن الواقع ومستقاة من مصادر غير رسمية, من فلان أو علان, وربما أطلقت لتشويه سمعة فلان أو علان, وقد تكون دعاية فقط للتحريض مثلا, أو للنيل من هذا وذاك, وهنا شتان ما بين هذه وتلك, ما بين ما يسمع في الدواوين, ما بين ما يشاع هنا وهناك من إشاعات غير صحيحة لا ترتكز على أية حقيقة وربما وجدت لغاية معينة غير نظيفة وهدف غير سليم وبين ما يصدره المصدر المسؤول والمعتمد بذلك.
وفي هذا السياق قد يأتيك أنسان يظن أنه هو المخلوق الوحيد في هذا الكون, وأن ما يمكن أن يفعله يعجز عنه الكثيرون في أمر معين, وقد يكون في بعض الأحيان مرجعا للكثيرين ممن هم غير مطلعين في مجريات الأمور وأحداثها, فيبدأ بأطلاق عنان لسانه على اليمين وعلى الشمال, غير مكترث بنتائج تفوهاته وأقواله التي هو مصدرها الوحيد, لا تمت للحقيقة أو للواقع بأية صلة مباشرة كانت أو غير مباشرة, وقد يختلق الأمور بنفسه, وما يقوله ويروجه من كلام لا علاقة له مطلقا بالحقيقة وربما تكون الموضوعية منه براء , وأذا أمعنا النظر لوجدنا أن ما يرى ويسمع في مثل هذه التصرفات كثير, ولا يمكن أحصاوه, وترى الناس في مثل هذه الظرف محتارين, متوترين نفسانيا, وربما كئيبين في بعض الأحيان, من جراء ما سمعوه أو علموه من هذا وذاك في موضوع يخصهم, ويتبين وبسرعة أن هذا المرء كاذب في أقواله, أقام الدنيا وأقعدها في أشاعاته لأغراض تخصه هو وفقط هو نفسه, أما لأشغال نفسه وأشغال الآخرين بأمور عارية عن الصحة , وقد يختلط من جرائها الحابل بالنابل, وربما تصل ألى نزاعات وشجارات في البيت الواحد أو في العائلة الواحدة وربما بين فئات ومجموعات متنوعة متقاربة أو متباعدة.
هذا وأكثر منه يمكن أن يحدث وبسهولة من قبل أناس عديمي الضمير, أناس لا يعيشون في الواقع, وما يقومون به بعيد كل البعد عن الواقع, يحدثون البلبلة في صفوف الناس والمجتمع دون تقص للحقائق, ودون فحص ودراية أو دراسة صحيحة, دون ترو وبتصرفات عشوائية.
وإذا أردنا نحن وعن قرب معرفة الحقيقة فعلينا بالمصادر الموثوقة, المصادر المخولة والتي هي هي المصادر الوحيدة لمعرفة المعلومات الدقيقة, هذه هي المراجع الرسمية المعتمدة وليس غيرها, عندها نرى وندرك ان ما يقال في القرية, في الريف وفي الحي شيىء والواقع والصحيح شيىء آخر ويختلفان كليا في المضمون والمعنى ومن هنا نشأت العبارة بين الناس _ " حكي السرايا ما بيجي على حكي القرايا" .
فعليه من منطلق الأمانة والنظرة الثاقبة والصحيحة يترتب على المرء أيا كان أن يستند فيما يقول على المصادر والمراجع الموثوقة والمسؤولة في مراكز الأحداث, وعدم الأعتماد على قول القوالين, مروجي الدعايات والأشاعات, ومموهي الجمهور فيما يختلقون من دعايات خاوية خالية من كل مضمون ومن كل مسؤولية, لأن في ذلك تكمن الحقيقة, وينقل الصحيح فقط دون مواربة, وتخف وربما تنعدم المساومات والهاترات في صفوف المجتمع, وبذلك تصدي وتحدي لكل نية خبيثة مبنية على الأنانية القاتلة.