التَّخلّي عن ميلاد اللّمَّة بقلم: مارون سامي عزّام
تهافت النّاس في البلدات إلى السّاحات، واحتفلوا بإضاءة شجرة الميلاد الكبيرة بقيمتها المعنويّة، كتعبير عن إضاءتهم لشجرة العيش المشترك، المشعّة بالوحدة، الرّاسخة في الأرض، فكان هذا أروع حدث ميلادي. بينما هناك مجموعة شاذّة اجتماعيًّا من الشّبّان والأزواج، تحمل عقليّة احتفاليّة غربيّة أنانية، حطّمت أي اعتبارات أُسريّة، غير مهتمّة بمدى تأثيرها السّلبي على أهاليها وأحبّتها، الذين سيحتفلون لوحدهم قسرًا عشيّة هذه الليلة الفريدة بأهميتها، التي من المفروض أن تلتم أفراد العائلة حول مائدة الوئام والتسامح.
بالنسبة للعديد من المحتفلين، اكتملت الصورة الاحتفاليّة التقليدية "المملّة" مع العائلة والأصدقاء، واكتفوا بقصّ شريط التهاني الوهمي بعيد الميلاد مع أهاليهم، من خلال الاحتفال معهم عبر شاشة الفيسبوك علنًا، بدون لهفة أو حنين، لتبدأ المرحلة القادمة من احتفال هؤلاء الأزواج المخضرمين أوروبيًّا بالأعياد المجيدة، بالتّخطيط المستعجل بالسّفر إلى إحدى الدّول الأوروبيّة، هربًا من "روتين المعايدات"، وصخَب اللقاء العائلي، ففي أوروبا المتوتّرة أمنيًّا، يشعرون أكثر "ببهجة العيد"، رغم أنهم سيعيشون حالة من الذّعر النّفسي!!
تخلّى هؤلاء الأزواج عن لياقة احتفالهم مع أهاليهم، ومع إخوتهم بالعشاء الميلادي التقليدي... تخلّوا عن أهم شيء وهو اللّمة الأسريّة التي نشتاق إليها اليوم، في ظل تراجع اللقاءات الاجتماعية والأسريّة، التي امَّحت كليًّا من جدول مواعيدهم المتراصّة بالانشغالات اليوميّة التي لن تنتهي... لذا الميلاد المجيد ليس فقط تزيين الشجرة، ونثر الأضواء في كل أرجاء المنزل وإضاءة الشُّرفات الخارجية والمداخل.
ليلة الميلاد تُصبح أروع بالتفافنا حول كبارنا، ليفرحوا بحضورنا بينهم، كما تصبح أكثر حميميّة، كلّما تقرّب أبناء العائلة من بعضهم البعض، فتتجدّد فيهم دورة المشاعر الأخويّة الصّادقة، لا أن يتغرّبوا عن وطن الأسرة الصّغير، بالسّفر في هذه الفترة المميّزة، إلى الخارج، تمثُّلاً بالمفاهيم الخاطئة للآخرين، إرضاءً لأهواء ترفيهيّة شخصيّة مزيّفة، حبًّا بترقية مستوى عيشهم الشّرقي!!
هذا العيد يضيء بَهو حياتنا بأضواء الفرَح الآتي، لتتلاشى ظُلمة الأيّام الصّعبة عن نوافذ آمالنا الضيّقة، التي ما زالت تتخوّف من فتحها، لئلاّ يدخل منها خفافيش الأفكار السّوداويّة. يا ليت بابا نويل الإتيكيت يزور مجتمعنا المنحل أخلاقيًّا على عربته التقليديّة، ليخترق ضباب النّفاق الاجتماعي، الذي يحجب عن البعض رؤية أبعاد تصرّفاته، إنّي أتمنّى مع حلول الأعياد المجيدة، أن تتسرّب فكرة الابتعاد عن الأهل عشيّة عيد الميلاد، من مسارب هواجس النّاس، الذين جعلوا من هذه الأيّام المباركة، مُنطَلَقًا لعولمة احتفالاتهم!!