محاكمة أزاريا: حشرجة احتضار لنظام سوي
جدعون ليفي
هآرتس 2017/1/4 ترجمة: أمين خير الدين
أمْعِنوا النظر في محاكمة أليئور أزاريا: هكذا تبدو الحشرجة الأخيرة. هكذا تبدو النزعات الأخيرة لنظام سويّ، والانحرافات الأخيرة لمجتمع سليم. هكذا تبدو من النظرة الأولى للمساواة أمام القانون – ماذا كان سيحدث لو أن ازاريا كان فلسطينيا – مرة ثانية تمزّقت الأقنعة وسقطت من على وجهه، ومعها قناع الحياء. هكذا تبدو الديمقراطية التي تظن أن يمكنها البقاء بلا إزعاج وفي أروقتها الخلفية ديكتاتورية عسكريّة وحشيّة. هكذا يبدو جيش الاحتلال، جيش لا زال يصرّ على رفع شعارات القانون والقيم.
الجميع يرمحون باتجاه واحد، ومقابل هذا العَدْو المُنْفَلِت يُبْذَل مجهود أخير لارتداء قناع النزاهة – محاكمة ازاريا أو إخلاء عمونا، مثلا. حين يتحول موشي يعلون وغادي آيزنكوت قائدان عسكريان مجرما حرب واحتلال، لحاملي أختام العدالة والأخلاق في إسرائيل. حالة ما بعد اليأس. من المفضل أن ندقِّق قليلا بهذين الشخصين: بعد قليل لن يكونا هنا. سيحل مكانهما من هو أسوأ منهما. الجماهير تُهدد: "غادي، غادي، انتبه رابين يفتش عن رفيق" ، ربّما سنشتاق إلى آيزنكوت، لا يُصدّق، هو أيضا نوع مطموس. حتى إن داني كوشمارو كان شاهدا على الرعاع ، شيء مُقْرف.
في قاعة المحكمة تقرا القاضية العسكرية قرارا واضحا ومفصلا، بديهيا وحتميا. مُنْفَصِلا عمّا يجري في خارج القاعة. في القاعة يستقبلون المتهم بالتصفيق، والمراسلون يتسابقون فيما بينهم من سيغمره بالعطف والرحمة أكثر (على ماذا بالضبط؟؟) وخارج القاعة يهدد مئات المتظاهرين باقتحام قاعة المحكمة، الجيش، ووسائل الإعلام، جوقة المُحرِّضين من السياسيين تساندهم من خلفهم. وزراء الثقافة، المعارف، الداخليّة يهِبُونه الرحمة والاسترحام تنضم إليهم شيلي يحيموفيتش(!) الأجهزة الحكوميّة تفقد صوابها الواحد بعد الآخر: مذنّب بالقتل – بطل، القائد العام للجيش، جيش الاحتلال - مُرْشِد الفتاوى الأخلاقيّة: وزراء الحكومة - ينقضون جهاز القضاء العسكري، والمعارضة – غير موجودة. أيّ طريق طويل قطعته إسرائيل منذ آخر استرحام مُنِح قبل أزاريا. القتلة في جريمة خط 300 ، هم على الأقل لم يتحوّلوا لأبطال. وربما خجلوا ولو للحظة مما فعلوا.
منذ 13 لم يُحكِم على جندي من جيش الدفاع الإسرائيلي بالقتل في عملية عسكريّة، آخر مرة كانت عندما حُكِم على جندي بَدَوي أمضى ستّ سنوات في السجن فقط وذلك بسبب ضغط دولي ( قتل مصوّرا بريطانيا ). مرت عمليتا "الرصاص المصبوب" و"الجرف الصامد" مع مئات قتلاهما بلا محاكمة. وإعدام فتيات مع مقصّات، وفتيان مع سكاكين أيضا مرّت جميعها بلا مُحاكمات، وذلك في عهد آيزنكوت." هل يوجد قضاة في الكريا؟ تقريبا لا يوجد. لم يكن أزاريا أوّل القتلة، ولن يكون الأخير. حسنا أنه أُدين. إذا فُرِض عليه حكم مناسب، ربما يمنع ذلك من ارتكاب جرائم قتل أخرى. لكن ليس ثمة ما يُدْهش. كأميرة "بتسيلم" – منظمة الخونة والكذّابين" – أجبرت ج.د.ا. على مُحاكمته. البيّنات ألزمت المحكمة على إدانته. إنها أغنية التّمّ. (آخر المحاكم – ألمترجم) لن تكون بعدها مُحاكمة أزاريا أخرى، لن يسمح بذلك السياسيون والجمهور. في قلوب الجميع تكمن كراهية العرب. أزاريا يكاد يكون بطلا قوميا لسبب واحد لأنه قتل عربيّا (الفرق بين العربي والمخرب غير واضح في إسرائيل). عمل أزاريا ما يتمنى كثيرون لو يعملوه وكثيرون يعتقدون أنه من الضروري عمل ذلك. كان ذلك قتلا بدافع الرحمة: رحمة ذاتيّية للمحتل على سوء مصيره. مسكين الجندي أزاريا الذي أضطُر إلى أن يكون في الحاجز في الخليل، ومساكين قادته الذين أرسلوه إلى هناك، مسكينة هي إسرائيل التي اضطُرت على أن تُقيم حواجز في قلب مدينة فلسطينية وإلى خنق سكانها. على ذلك لم ولن يُحاكم أحد. أزاريا ليس بطلا ولا ضحيّة. هو مجْرم. والمسئولون عنه مجرمون أكثر منه.
2017/1/5