ان نتحدث بلغة الحقيقة .. كميل فياض
يعني اولاً ونحن في دوامة الخلق ندرك وجودنا الذاتي الجوهري ونميزه من خليط الخلق، من تنازعاته وصراعاته ، ثم ندرك وجودنا الظاهري بكل مركبّاته وابعاده كجزء من تجسدات وتجليات ذلك الوجود .. ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان نتحدث بما لا يقوله الحرف وهو من بعضنا ، وما لا يقوله التصور وهو من بعضنا ، وما لا يقوله الشعور وهو من بعضنا ..
ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان نصمت وندع الطبيعة البراء تترجمنا عبر مختلف لغاتها .. ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان لا نتحدث بلغة العالم السقيمة السطحية والتافهة والدموية ، ان لا نخلط بين سماجة العادات وبين الرؤية الحيَّة المباشرة ..
ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان لا نربي اولادنا على الانانية والأثرة ، ان لا ندربهم جنوداً ليقتُلوا ويقتَلوا .. ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان نكشف عن حقيقة هذا الظلام وعن حقيقة هذا الشر الذي نقدسه .. يعني ان نحاول ايقاظ الضمير الانساني فينا وفي كل من يتخذ شكل انسان بكلامه ولباسه ونشاطه ، في حين باطنه ضائع مُشتت.. ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان لا نقبل خداع انفسنا ولا نطيقه احترامًا للحقيقة ، ان نعلن عن عدم رضانا عن انفسنا ونضمر الرغبة في التغيير ثم لا ننفك عن المحاولة ..
ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان ندرك ان تطورنا - تطور الإنسان عموماً - يجري بمحاذاة وجوده وليس هو في صميمه ، وهو تطور في مجال الافكار والأدوات والوسائل التي هي من جوهره الكامل كالأظافر والشَّعر من جسمه ، اي لا تشعر لا تعطش ولا تجوع ، وان عطشها وجوعها وهمي بسكلوجي سرابي يتقمص المشاعر والعواطف صورياً دون تفاعلاتها وماهياتها ..
ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان ننتبه ونقلق لقبولنا وتسليمنا بهذا الواقع البائس الذي نحاول ان نسرق من بعض محطات الرحيل فيه ومنه الراحة والمتعة والفرح ، بينما الفكرة المسروقة هي ذاتنا ..
ان نتحدث بلغة الحقيقة يعني ان نكون جزءا من النور الذي نرى به ونعبر عنه .. يعني ان نستشرف بالمكابدة الحياة على انها التحقق ذاته، ان نعيها كجدلية متواصلة بين الكشف والانحجاب الذي هو الموت، بنفس النور عبر شتى المعروف وغير المتوقع ، حيث التجدد ..