في طفولتي، كنت أحبّ الحمير، ربّما أكثر من الكاتب والإعلاميّ السوريّ ياسر المالح.
في أوائل ستينات القرن الماضي، كنتُ في الصف الثالث الابتدائيّ. في حصّة دين، أخذ المعلّم يشرح لنا عن دخول المسيح إلى القدس كملك، راكبًا حمارًا في أحد الشعانين ... لم يعرف المعلّم، أو لم يرد أن نعلم، آنئذٍ، بأنّ ركوب الحمير كان مقتصرا في المجتمع اليهوديّ على الملوك والكهنة... سألت المعلّم: لماذا راكبا على حمار، وليس على أسد، أو ... أو حصان؟! أجابني: لم يركب الحمار كعنتر. اعترضت؛ "ماله عمّي عنتر"؟! صفعني .. صرخت في وجهه: "عمّي عنتر أحسن من ...".
كان عمّي عنتر، من آثار ثورة 1936، بقي في القرية ... قصير القامة، وأسمر غطيس البشرة، وموجة صوته عالية. عمل مناديا في القرية، بالإضافة إلى نقل الماء على الحمار، من العين إلى البيوت.
أحببت عنتر، ليس لأنّه كان ينقل الماء لنا فقط، ويسمح لنا (أنا وأخوتي) بقيادة الحمار، وبركوبه أحيانا؛ بل لأنّني كنت أعتقد أنّ الأفلام السينمائيّة المجانيّة التي كانت تُعرض على ساحة العين، كانت بفضله، وبمسؤوليته، و... وما عنتر كان إلّا مناديا عموميّا، وظيفته أن ينادي في ساحات القرية وشوارعها .. يدعو إلى حضور فرح أو كره، أو اجتماع، أو ... أو حضور فيلم سينمائيّ، مثل بساط الريح، طرزان، هرقل، السندباد، و... عندما كان يمرّ جنب دارنا، كان يطرح السلام على والدي؛ فيدعوه والدي: "تعال ارتاح وخذلك نفسا" .. فيدخل .. تطلب منّا الوالدة أن نسلّم على عمّنا عنتر .. نضرب له كفّا حامية، بناء على طلبه، يقبّلنا ويجلسنا جنبه.
من الحكايات، حكاية الحمار والثور .. يحكى أنّ الثور المتعب المهموم شكا همّه وتعبه من الحراثة الشاقّة لصديقه الحمار؛ فنصحه الحمار أن يتمارض، ويمتنع عن الأكل. فلمّا رأى الفلّاح الثور على هذه الحال، أخذ الحمار بدلا منه ... ندم الحمار على نصيحته للثور، فهمس في أذنه: سمعت الفلّاح يعلن عن عزمه على ذبحك؛ إن بقيت مريضا؛ فخاف الثور وأكل، وأظهر نشاطه للفلّاح؛ فارتاح الحمار.
لم يبق ثور في قيادة اليمين الإسرائيليّ إلّا نصحه بيبي بأن يتمارض ويرتاح، مِن يتسحاق شمير ولاءاته، إلى شارون وبولدوزراته، إلى أمراء الليكود: روني ميلو، ودان مريدور، وبيني بيجن و... وأولمرت. نشط بيبي في خدمة اليمين المتطرّف والمستوطنين، وفي قهر وقمع الفلسطينيّين، وفي خدمة الرأسماليّين، ودهاقنة الكازينوهات وصالات القمار و... ورؤساء التحرير في وسائل الإعلام، ومنظّمات الإجرام.
علق الحمار، والعلف كثير كثير، ولن ينفعه إعلان الصوم والصراخ في يوم تحرّرت حلب، ولا يوم اجتماع فلول الخون السوريّين في أورشليم/القدس (كلّ التحيّة للطلاب الجامعيّين العرب، ذكّرتونا بأيّام جميلة لنا كانت مضت؛ "فمرحبابكم")، ولا يوم انعقاد مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط، وتبنيه المبادرة العربيّة، وترحيب السلطة الفلسطينيّة بقرارات المؤتمر، والبدء بالمفاوضات على أساس القرارات الدوليّة، وقرار مجلس الأمن 2334، وعلى أساس مخرجات مؤتمر باريس.
سوف يُركّب الشعب الإسرائيليّ بيبي نتنياهو مقيّدا على حمار بالمقلوب، كجزئين لوِحدة واحدة. وسوف يقرعون الجرس، وينادي عمّي عنتر الناس ليتفرّجوا على المجرم!