صُوَرٌ من العبث - كميل فياض
21/01/2017 - 06:04:47 pm

لا فيما يتعلق بألبير كامو وعلاقته بأسطورة سزيف اليوناني ، هذا رغم ان اسطورة سزيف في فكرة العبث ، هي الأكثر واقعاً في الحياة على الارض بالنسبة لكل الكائنات الحية لا بالنسبة للانسان وحسب .. ومن صور العبث مثلاً - والأمثلة في الواقع يمكنها ان تشكل سلسلة نسقية ( منطقية ) كالتي يجتهد الفلاسفة حتى النزيف في تأليفها كدراسة تاريخية لاستنباط انظمة (عقلية ، او وجودية ، او وضعية ، بنوية ، مثالية، اشتراكية الخ الخ -.. او حين يقام مسرح للتمثيل عن العبث في واقع اشد عبثية .. من صور العبث ان يؤسس الانسان حضارة على قواعد في قمة المنطق والتخطيط والمتانة على ارض تسير في فضاء لا يعلم الانسان من اين والى اين هي دائرة فيه .. ومن صور العبث ان نبني بيوتاً بعرق العمر لنسكنها ونقيم فيها اسراً وحياة كريمة محترمة ، ثم وفجأة تأتي الجرافات التي تمثل (القانون) لهدمها ، وهي تشبه الصورة العبثية لمجتمع من النمل يقوم من خلال اروع تعاضد اجتماعي في ارض زراعية ، لتأتي جرافة المزارع عليه وتقوض كل جهود وانجازات وافراد ذلك المجتمع ، فتدمره وتشتته .. من صور العبث والسخرية ان تكون "شكيد" وزيرة قضاء وعدل وهي بنت احتلال تروج لبناء مستوطنات على اراض محتلة ،ومن صور العبث ان نحرِّم تصرفات ومسالك باعتبارها رذائل وفواحش نضمر ممارستها في الجنة بصور وارقام مضاعفة كحلال زلال ، من صور العبث التحذير من التدخين كمسبب لأشد الامراض فتكاً بالصحة ومنح الترخيص لصناعته وانتاجه وتوزيعه وبيعه للناس .. من صور العبث حين لا البث افتح عيني من صلاة روحانية على منظر خالعة ساحرة عابرة تحرك الدم في الحجر .. من صور العبث ان اعود بعدها لصلاة اخرى واستغفار .. من صور العبث ما يقوم به رجال الدين من عبادات تنجيهم من شرور انفسهم ومن براكين او قحط  او فيضانات هي جزء لا يتجزأ من مقومات التوازن في جدليات النفس والطبيعة .. من صور العبث ان يربط الناس مصيرهم ( بفكرة اله شخصي رحيم حكيم عادل محاسب ومثيب ) من خلق خيالهم وصورهم الحسية .. من صور العبث سياسة امريكا وسائر الدول الكبرى في العالم دون حاجة الى تفصيل .. من صور العبث الانقسام الفلسطيني والصراع الداخلي على القيادة والنفوذ وأدلجة القضية .. من صور العبث الحرص على السرية في المذاهب الاسلامية الباطنية من قبل السذج من اتباعها ، خصوصاً في زمن الانترنت والموبايل واجهزة المخابرات والنميمة المختلفة .. من صور العبث المضحكة الحرص على شرب القهوة بدون سكر وبعدها مباشرة نلتهم الكنافة والكعك بنهم .. من صور العبث الحجاب من فوق والتايس من تحت .. ومن صور العبث حفظ اللسان من اللعن والسب وترك القلب عرضة للشهوات ولنوايا السوء .. من صور العبث الظهور بملابس انيقة نظيفة في حين الروح غارقة في ظلمات فوق ظلمات .. من صور العبث المواظبة على متابعة قصص الابراج في برامج الصباح اليومية للاطمئنان على المصير في الغد ، من قبل مذيعات ومذيعين لا يعرفون شيء عن مصيرهم للحظة .. من صور العبث مسابقة الجمال على هياكل عظمية مرعبة تحت الجلود .. من صور العبث القيام بتمارين رياضية لتطويل العمر، وقراءة كتب لتعليم لغة اجنبية في خمسة ايام .. من صور العبث تناول المخدرات والمشروبات المسكرة لنسيان المشاكل .. من صور العبث الرائجة النضال على الفيسبك ،ومن صور العبث اجترار الخطب الرنانة قبيل كل انتخابات ،ومن صور العبث تصديقها ، او تأييد اصحابها رغم عدم تصديقها .. ومن صور العبث الكلاسيكية الوعظ والارشاد من على المنابر لبشر لا يعرف العلم بعد شيء حقيقي عن محركات سلوكهم هل تكمن في الجينات الوراثية وفي الحمض النووي ، ام في التربية ..

من صور العبث الاهتمام بالانسان المعطاء بعد موته اكثر من الاهتمام به في حياته .. من صور العبث ان نهتم بما سيقال عنا بعد موتنا في حين لا نستوعب مصير ارواحنا .. من صور العبث تجاوز السرعة المسموحة في السياقة لنصل في الموعد المحدد للمشاركة في جنازة ..  من صور العبث ان اتمنى اخيراً ان اكون وفقت في (عبثياتي) المتواضعة ، وهي عينات قليلة من بحر كبير ولحظات من تاريخ ضارب في القدم ..      

وربما ان الموقف الارجح من عبثيات الواقع يتمثل في العمل على التيقظ تجاهه عبر الكشف عن الخلفية التجاوزية للفكر ، اي لهذا الواقع الذي يتجلى في الفكر بمختلف صفاته ، بعد ذلك يسهل اكثر التعامل معه وتقبله ، بل ورؤيته فعلا كملعب او كمسرح للروح ، ولا بد ان يكون هذا الواقع في ضوء الكشف عن خلفيته تجربة مرور للروح الى عوالم وواقعيات اكثر معقولية .. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق