الآن يصمت أردان
أردان، هكذا سقط وزير مسئول في شِباك السياسة
ربيب دروكر
هآرتس 2017/1/23 ترجمة: أمين خير الدين
في آب 2001 في مقابلة أجريتها مع يوسي سريد حول كتابي الذي كتبته عن فترة رئاسة أيهود براك للحكومة. ومن بين المواضيع التي تحدّثنا عنها مُظاهرات أُكتوبر 2000، المظاهرات التي قُتِل خلالها 12 مواطنا عربيّا وفلسطينيّا. ورغم مرور الوقت، كان سريد كالمجنون. "عشيّة يوم الغفران اتّصلتُ مع شلومو بن عامي الذي (كان وزيرا للأمن الداخلي) وقلتُ له "يكفي" وللمفاجأة المُذهلة، لم يكن يعرف بما يجري أبدا. بعد ذلك تدخّل. قلتُ له: "اسمع، شلومو، ثمّة أناس يُقْتَلون. إنه تهديد فضيع، لقد كذبت الشرطة بوقاحة. كذبوا على براك وعلى بن عامي وعلينا جميعا، وقالوا إنهم لم يطلقوا النار. جرت المحادثة التالية يوم الغفران.قال لي بن عامي: "اطمئن، ليست الشرطة. قال لي قائد المنطقة، بعد إجراء فحص طبي اتضح أن هناك رصاصا حيّا، مما يدل على أنها ليست الشرطة... ربّما جنود في إجازة". الشرطة غَدَرَتْ ببراك. إنّها أخطر القضايا بتاريخ الدولة. كان هذا الغدر ينطوي على معنى أن القيادة السياسية كانت تعيش على إعتقاد أنهم لا يطلقون رصاصا حيّا"
منصب وزير الأمن الداخلي كان دائما مقبرة سياسيّة جماعيّة. حاييم بار ليب، روني ميلو، موشي شاحل، أبيغدور كهلاني، شلومو بن عامي، جدعون عزرا، عوزي لنداو، آبي ديختر وإسحق أهرونوفيص— من الصعب إيجاد وزير للشرطة أنهى وظيفته بشعبيّة كبيرة، والسبب الأساسي هو أن هذا الجهاز الذي يتولّى الوزير مسئوليته: هو الشرطة. تتحوّل ملامح الوزير خلال مهمّته لملامح الشرطة، وعادة الشعب لا يحب هذه الملامح.
لا يستطيع جلعاد اردان أن يدّعي أنه لم يكن يدري، بأن تقارير الشرطة لم تكن دائما دقيقة تماما، لقد قرّرت لجنة أور أمورا محسومة في هذا الخصوص في أيلول 2003. واطَّلِع أردان شخصيّا على تقارير للشرطة غير الدقيقة بما فيها "وثيقة يتسحاكي" – وهي ثمرة مجهود القيادة، المجهود الذي طلبه رئيس جهاز التحقيق ميني يتسحاكي وجمع كل المعلومات الاستخباراتيّة التي جمعها بالشرطة عن ممثلي الجمهور. لقد قدّمت الشرطة تقريرا لأردان، أنه لا وجود لوثيقة كهذه ولم يُقَدّم استجواب عن هذا الموضوع. وسرعان ما تبيّن أن الوثيقة موجودة وأنّه قّدِّم بشأنها استجواب.
إذا كان الأمر كذلك، لماذا أسرع بالتصريح بما لا يقبل التأويل عن حرائق على خلفية قوميّة؟ ولماذا أدلى لوسائل الإعلام بتصريحات لا تؤوّل أيضا بأنه ثمّة عمليّة دهس، وغطّى على ذلك بتصريح " تُفْحص العلاقة بداعش".
هل المُحَصِّلة، أن كل هذا مُجرّد سياسة تتعلّق بنزاع على الإرث في الليكود، الإرث الذي في إطاره يحاول أردان أن يثبت نفسه على الطريق التي سار عليها مَنْ هو أكبر منه: بالنسبة لعرب إسرائيل؟ مع أنّ أردان وزير قويّ ومسئول. هل أدرك عندما قاد حملة "إرهاب الحرائق" مدى تعقيدات الموضوع؟ هل أدرك أنه ليس هناك أدلّة تدعم تصريحا بعيد المدى لهذا الحدّ؟ وعندما تلقّى التقرير عن الحادث في أمّ الحيران على أنه عمليّة دهس على خلفيّة قوميّة و"تفحص علاقته بداعش" هل سأل على أيّ أساس أُخِذ هذا القرار؟ هل أدرك أن "فحص العلاقة بداعش" يعتمد على أعداد من جريدة "يسرائيل هيوم" الأعداد التي وُجِدَت في بيت يعقوب أبو القيعان؟ هل عرف أردان شيئا عن ملامح السائق.
منذ أُعْلِن عن التقرير المُتعلّق بتشريح جُثّة أبي القيعان في القنال العاشرة، هذا التقرير الذي كشف على ما يبدو احتمال أنه لم تكن عملية عدوانيّة، خيّم صمت رهيب على أردان، لم يهتم، ربّما تعمل الشرطة بجنون لتوفير أدلّة لا تؤوّل بغير أن الحادث عملية عدوانيّة على خلفيّة قوميّة. إنه أمر مُحْزِن بما فيه الكفاية، أن يقود أحد الأشخاص الواقعيين في الليكود حملة تحريض ضدّ أعضاء الكنيست العرب، يتّهمهم بالتحريض، يطالب بالتحقيق معهم، على أساس أدلّة أرَكّ من الركيكة. إذا لم يكن يعلم أن البيّنات ركيكة – فهي مصيبة.وإن كان يعلم -- فهي مصيبة أكبر.