فاقد الشيء لا يعطيه بقلم: الدكتور نجيب صعب – أبو سنان
فاقد الشيء لا يعطيهً هذا قول مألوف في كثير من الأحيان بين الناس, كثيرون يدركون معناه جيدا ويرددونه في مناسبات عدّه ويعملون ويوجهون بمعناه, وآخرون لا يدركون معناه وربما لا يكترثون بهذا المعنى وبأبعاده كليا وكأن الأمر لا يهمهم ولا يعنيهم أو أنهم بالمرّه لا يفهمون معناه, وعليهم أن يستيقظوا وبسرعة.
ونلاحظ ونرقب عن كثب في حياتنا اليومية الكثيرين الذين يبنون قصورا في الهواء, ويتوقعون كثيرا من الأمور التي قد تنفعهم من أصدقاء قريبين منهم, أو من أخوة لهم,أو مسؤولين في مراكز شتّى في مجال القيادات المحلية أو الأقليمية أو القطرية, كما أنهم قد يرجون جني الأرباح أو فوائد خاصّة بشتى أنواعها, مادّية كانت أم اجتماعية, ثقافية وربما سياسية أيضا.
ونلاحظ كذلك كثيرين من الناس يعيشون على الآمال. هذه الآمال المبنية على مدى تفهم الآخرين لهم ولمكانتهم, ولأمكانيتهم ولقدراتهم بمختلف نواحي الحياة, فعلى سبيل المثال : منهم من ينتظر مكافآة مادية , شهادة تقديرية,كلمة طيبة , تقديرا معينا,شكرانا واعترافا بالفضل وبالجميل... ألى غير ذلك من الأمور التي من شأنها أن تشعر المرء بقدر معين من الأعتبار والكرامة والعرفان.
هنا يترتب على المرء أن يتوقف هنيهة ويتساءل وبكل صراحة, يتساءل ويكون مع نفسه في أسئلته واضحا وصادقا ويقول: هل توقعه من فلان في مكانه؟ هل أن هذا أو ذاك أهل لهذا التوقع؟ هل يمكن لهذا المرء أو ذاك أن يقدم ما يرجى منه؟ وهل لديه القدرة على ذلك؟ وأخيرا وأهم من كل شيء, هل يملك هذا المرء ما يرجى منه أو ما يطلب منه حقا؟ حقا لهذه الأسئلة وغيرها أجوبة عديدة ومتنوعة وربما تقع هذه الأجوبة ما بين لا ونعم أو يجوز, لذلك أيها المرء قبل أن تحكم على الأمور هيا نطرق معا بعض الأمور الواقعية.
كلنا أو معظمنا يدرك جيدا أن الأنسان المحدود في أخلاقه والمعروف للجميع في نهج حياته وتصرفاته غير المقبولة والمرفوضة أجتماعيا وأخلاقيا لا يمكن لأي كان أن يطلب منه تصرفا أنسانيا جيدا.
وكذلك البخيل الذي جمّع أمواله وثروته وقتر هنا وهناك على نفسه وعلى عائلته خلال مشوار حياته, ذلك حرصا على الأموال, وكانت قد زرعت في ذاته منذ الولادة صفة البخل , عندها لا يمكن أن ترجى منه أية معونة وحتى معونة معنوية.
في موقف أخر لا يمكن للمرء أن يرجو أو يطلب من الكذّاب أو اللئيم الذي همه الوحيد تدبير المكايد والنيل من الآخرين بطرقه وبوسائله الملتوية والمتنوعة, حقا لا يمكن أن يرجى منه أن يكون صادقا أو أن يعمل في الاتجاه الصحيح.
وكذلك لا يمكن أن يرجى أو يطلب من الخائن الذي نشأ ونما على طرق معوجّة , طرق الخيانة وعدم الوفاء, حقا لا يمكن أن يرجى منه شيء, فلا يمكن أن يكون أمينا ولو مرّة واحدة لأنّه بذلك يكون قد خرج عن عاداته وتقاليده ونهج حياته الخاص به, وقد لا يمكن أيضا ان يكون وفيا, صادقا بالمرّة.
ولا يعقل مطلقا أيها المرء أن نرجو النشاط والحيوية والمسؤولية الذاتية وغيرها من الأنسان الكسول , الأنسان الأتكالي كان من يكون هذا المرء, معلما, تلميذا , أبا , أما, مسؤولا, ولا يمكن أيضا أن تلزمه بالنشاط وبالحيوية أن لم يبادر هو لذلك بنفسه, والأمل ضئيل جدا في هذا المضمار.
لو أردنا متابعة استعراض الأمثلة من هذا القبيل لتمكّنا من استعراض الكثير الكثير منها, ولكن نقف عند هذا الحد, ونترك استعراض أمثلة كهذه للأنسان بمفرده عند عصر أفكاره وتساؤلاته الفردية مع نفسه ومع الآخرين.
وعليه يترتب على المرء في كل مكان وفي كل زمان, أيا كان هذا المرء, ومهما كانت هويته, ومهما علا شأنه وكثرت معارفه, وتعززت كرامته, أذا أراد أن يحافظ على كيانه, على كرامته, ويحترم نفسه وغيره, نعم يترتب عليه الّا يطلب شيئا من أنسان يعرف مسبقا أنه لا يمكنه ذلك في شتى المواقف ودروب الحياة التي ذكرت وغيرها, هذا طبعا من باب أن" فاقد الشيء لا يعطيه" , نعم من لا يملك شيئا ما لا يمكن أن يعطيه لأنه ليس بحوزته, ولا يمكن أن يقوم بتلبية هذا الطلب أو ذاك, عندها لا تبنى قصور في الهواء, ولا تتخيب آمال كثيرة, ولا يعيش المرء ولو لفترة معينة في الأوهام, وعليه من الأفضل والأسلم أن يكون الرّجاء والطلب والأمل ممّن هم أهلا لذلك.