كيف تحمّلناه؟! راضي كريني
في الخمسينيّات والستينيّات مِن القرن الماضي، كان يحضر إلى قريتنا بائع سمك متجوّل، من إحدى البلدات المجاورة ...، أوقف شاحنته الصغيرة في حارتنا وفتح صندوقها، وأخرج السمك، وأخذ ينادي: "سلطان يا سمك، اليوم أجاكم السلطان ... اليوم الغدا سلطان"، خرجت بعض النساء إلى الشاحنة، تتقدمهنّ جارتنا أمّ عزيز ... اعترضن: "شو هالسمك صغير كثير"، حزم بائع السمك أمره وضبطه بشدّة، طالبا من النساء: "ممنوع التنقاية، بس كمش، وهذا مش عدس للتنقاي"... لكنّ جارتنا أمّ عزيز كانت "كثيرة غلبة" معاكسة، مشاكسة، و...، بعكس جارنا أبو عزير؛ فقد كان ظريفا ولطيفا و... ومجاريا وسديدا. أخذت النساء بالجرف و... وبالقبض على السمك، حسب طلب البائع، إلّا جارتنا أمّ عزيز "كانت تنقّيه بالحبّة". لاحظها البائع وطلب ... لكنّ أمّ عزيز "مش هون". توتّرت وتواترت احتجاجات البائع وعلا صراخه ... طلّ جارنا أبو عزيز من الشبّاك، وقال للبائع: "تحمّلناها 50 سنة؛ فتحمّلها 5 دقائق من شان هالدقن".
-
أنت مجبور فيها.
-
وأنت، لك ربحة من ورائها. وأخذ يلمّح بأنّه سوف يعوّض البائع، ويدفع ثمن الصندوق كلّه.
انتفضت أمّ عزيز، وأعادت السمك إلى الصندوق، وأخذت "تكمش"، ولم تنقّ عدسا!
في حرب تمّوز 2006 بعد إطلاق حزب الله الصواريخ على مدينة حيفا، وعلى بلدات وقرى عربيّة شماليّ إسرائيل. أصبحت الحرب كما قال حسن نصرالله: "حربًا مفتوحة على إسرائيل كما أختارت هي"، مهدّدًا بقصف مدن في العمق الإسرائيليّ ما بعد حيفا، احتججنا؛ فأجاب: "أنا بنقيش عدس". (يعني، مش زي أمّ عزيز).
يتصرّف بيبي نتنياهو إزاء ترامب بعكس جارتنا أمّ عزيز؛ فكلّ ما يقوله ترامب، وكلّ ما يفعله يكون على قلب بيبي مثل العسل.
لا تظنّوا أنّ العلاقة الحميميّة بين ترامب وبيبي قد بدأت إبّان حملة الرئاسة الأمريكيّة، في أواخر 2016. لقد سجّل ترامب شريطا في 2013، قال فيه: "اسمي دونالد ترامب، ومؤيد كبير لإسرائيل" ودعا المصوّتين في إسرائيل إلى انتخاب بيبي نتنياهو القويّ "عندما يكون رئيس حكومة إسرائيل قويّا تكون إسرائيل قوية ... بنيامين نتنياهو؛ شخص مميّز، ناجح، يحظى باحترام الآخرين (مثل: آل سعود، وآل ثاني، و... ر.ك.)، ويقدّره الجميع. يحترم الناس جدّا ما يحدث في إسرائيل، لذلك عليكم أن تختاروا بنيامين نتنياهو. فهو رجل رائع، زعيم ممتاز، وجيّد ليكون رئيس حكومة إسرائيل".
وقرعت الطبول؛ ترررام... ترررام ... تررامب!
غرّد بيبي وأشاد: "الرئيس ترامب صادق، وأنا بنيت جدارًا على الحدود الجنوبية لإسرائيل ومنعت الهجرات غير الشرعيّة. خُطّتنا كانت ناجحة جدّا، وهذه فكرة ممتازة".. ثمّ صرّح: علاقتنا مع المكسيك قويّة، ولا تتأثّر من خلافات عابرة.
جمّع المكسيكيّون قيثاراتهم، وحطّموها على رأسَي بيبي وترامب!
احتجّت المكسيك ... ورفضت بعبارات "شديدة اللهجة" ... واندهشت واستغربت دعم بيبي لخطّة ترامب ولعزمه انشاء جدار بين الولايات المتّحدة والمكسيك.
ونحن بدورنا نقول للمكسيكيّين: تحمّلناه منذ 1984، منذ كان سفيرًا لإسرائيل في الأمم المتّحدة، ثمّ بعد أن أصبح وزيرا، ورئيسا للحكومة في إسرائيل إلى اليوم؛ فلتتحمّله المكسيك حتّى نهاية السنة! ولا تسألونا: كيف تحمّلناه، فسمعت المكسيك وأطاعت، وضاع العتب بعد اتّصال ريفلين رئيس الدولة!
سوف يسقط بيبي، فلا تؤجّلوا سقوطه بحرب مفتوحة بدون "تنقاية عدس"!