سأتحدث عن علاقتنا بالعالم .. وعلاقتنا بالعالم تحددها علاقتنا بأنفسنا بافكارنا بمفاهيمنا بقيمنا بهمومنا الشخصية والاجتماعية بمكتسباتنا المعرفية بمصالحنا وعملنا وعيشنا الخ الخ..
وعلى الغالب نحن نوجد داخل عالم من صنع الاخرين ولا نصيب لنا منه سوى مشاركتنا من خلال ما قرره الاخرون وفرضوه وافترضوه من انظمة وقوانين وقيم وتوجهات واساليب معرفة وفهم وعمل الخ.. والعالم بهذا المفهوم هو عالمين عمليا عالم الطبيعة وعالم الانسان وقد تداخلت العلاقة بين العالمين بصورة يصعب التمييز بينهما لاول وهلة .. لكن الاصل والاساس هو عالم الطبيعة بهوائها ومائها وغذائها وترابها الخ ..
نحن كأفراد نعيش اذن في عالم ليس من اختيارنا بشقيه الطبيعي والانساني .. وفي شقيه يسعى معظمنا ضمن قوانين الطبيعة وتحت هيمنة الآلة والنظام البشري كالآلات والحواسيب ، وهناك من يقوم بالبرمجة الدائمة للافراد من قبل مسؤوليهم ومن رؤسائهم ومدرائهم ومن ذوي النفوذ والثراء لما يخدم مصالحهم ، وهؤلاء بدورهم يخضعون لاوهامهم وشهواتهم واطماعهم وشرورهم .. وربما لا وقت كافٍ لمعظمنا للاستيقاظ على الحقيقة ، لمحاولة جدية لفهم انفسنا وما يدور حولنا ، لا قدرة ولا وقت كافيين لدراسة الشبكة الكونية التي سقطنا فيها جميعاً .. مع ذلك اقول هناك كتاب على كل منا ان يقرأه ان يتصفحه يوميا ويحاول ان يفهمه ، ليس هو كتاب ديني مقدس وليس كتاب من تأليف احد من الناس لم يصاغ بحبر وكلام .. هذا الكتاب هو انفسنا هو فكرنا ومشاعرنا وجسدنا .. وعلى قدر تعمقنا وفهمنا لهذا الكتاب نتحرر من سيطرة المعلمين والاخرين ومن كتبهم ومن توجيهاتهم ومن تضليلهم - سواء كان تضليلهم مقصودا او عفويا - ثم نحاول ان ندرك هل هناك شيء فينا ما لا نعرفه بعقولنا ، وما لا يمكن ان ندركه بعقولنا ..؟ اقول لكي نكتشف اعمق واهم ما في انفسنا نحن لا نحتاج الى دراسة كل العلوم والفلسفات المسجلة في مئات الكتب والمجلدات ، فكتاب انفسنا حاضر فينا ومفتوح ليل نهار وما علينا الا النظر فيه بهدوء وصفاء وعي وقراءة هادفة ، وربما ما كتبه الآخرون لنا على الورق هو نقلا عن كتاب النفس فيهم ايضا كما احاول ان افعل انا هنا .. فلماذا نعرف انفسنا نقلا ونسخا عن نفوس الآخرين وهل هذا ممكن ..؟ هل اشباع الجوع يمكن ان يستعار او يؤخذ عن مشاعر وعن تجارب الآخربن من الذين يأكلون ؟
اذن لا يفيدنا ان كان بوذا او سقراط او المسيح قد عرف نفسه ، طالما الامر متعلق بالادراك وبالاشباع الذاتي والشخصي..
لكن هذا ما يفعله الناس عموما من خلال سيرهم وراء مرشديهم ومعلميهم وشيوخهم ، من خلال اخذهم معرفتهم لأنفسهم من مراجع ومن مصادر خارجية ، وهم بذلك كمن يسد جوعه من شبع غيره ما لا يمكن الا بالوهم فقط .. وافضل حل لمن اصابه عمى في عينيه ان يعالج عماه حتى يبصر لا ان يستمر بالتشبث بمن يقوده من عميان مثله على الغالب ..
فاذا صح البصر لا يعود بحاجة الى مراجع ومصادر للهداية ، لا يعد بحاجة الى قيادة الآخرين ،فالنور يمﻷ فضاءه .. وبالمعنى الذاتي الجوهري الروحي لا الحسي هنا ..
وربما حاول البعض القيام بذلك دون ان يصل الى جوهر وجوده ، والسبب بقاء شيء من الفكر ومن الماضي في خلفية التجربة وفي جذر الرؤية ، وما نسميه بتجربة فقط من باب المجاز اذ ان جوهر الوجود هو الوجود ذاته وليس شيء ما مستتر فيه ، والوجود ليس تجربة بين تجارب اخرى بل هو اساس كل التجارب والافكار .