من الخطأ أن نستنتج أنّ سبب كراهية العرب، بشكل عامّ، والأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل، بشكل خاصّ، مِن مؤسّسات الدولة، وحكوماتها المتتالية، ومِن أقسام وتنظيمات واسعة مِن الأكثريّة اليهوديّة، هو نتيجة الصراع السياسيّ بين العرب وإسرائيل على أرض فلسطين، فحسب.
من الطبيعيّ أن يتأثّر كلّ سلوك يتّبعه الفرد العربيّ الفلسطينيّ، وكلّ شعور ينتابه، مِن أفكار ومشاعر مجموعة الأكثريّة اليهوديّة، ومِن أقسامها الرسميّة، ذات القواعد المنظّمة، ومن جماعاتها غير الرسميّة، وغير المنظّمة والفوضويّة التي لا نستطيع أن نرصد حجمها وتقلّصَ قواعدها وتمدّدها.
في عمليّة التنشئة الاجتماعية، يتدرّج الكائن العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل داخل ثقافة معيّنة، تتأثّر في الأساس مِن الأسرة العربيّة، والمدرسة العربيّة، والأقران العرب، والمجتمع العربيّ ككلّ، والمفصول والمعزول والمهمّش عن المجتمع اليهوديّ . هذه التأثيرات تساعد في بناء القيم والمعايير التي يعيش العربيّ وفقًا لها، وتؤثّر في حياته اليوميّة، ويتكيّف وينسجم ويتوافق مع ظروفها،
من الطبيعيّ أن نحكم على سلوكيّات العربيّ مِن خلال هذه الثقافة التي ينمو في إطارها، لكنّ حكومات إسرائيل المتتالية تتجاهل ثقافة الأقليّة العربيّة، وتحكم عليها مِن خلال المنظور السياسيّ الأمنيّ، والاجتماعيّ الاقتصاديّ التمييزيّ؛ فهي تعتبرها خطرًا ديمغرافيّا مهدِّدا لوجودها و... ولرفاهيّتها، وترى فيها جاهلة ومتخلّفة و.... وتصلح للعمل في البناء، وفي المطاعم، وفي محطّات الوقود، و...
لكنّ الجماهير العربيّة الفلسطينيّة شبّت عن الطوق، وكبرت واعتمدت على مواردها، وحسّنت مِن أدائها، واستغلّت الثغرات الاقتصاديّة واستثمرتها لصالح تطوّرها واندماجها في المرافق الأكاديميّة، والمنشآت المعماريّة و... ونجحت في اختراق الحصار، وفي إجبار الأغلبيّة اليهوديّة والحكومات الإسرائيليّة المتتالية على التطلع والالتفات لجودة الأداء العربيّ، ممّا دفع شرائح واسعة من الأكثريّة اليهوديّة أن تنظر بعين الاحترام والتقدير للجماهير العربيّة، ودفع حكومة إسرائيل اليمينيّة الحاليّة إلى الحقد والكره الأعمى والعداء و.... والاستماتة في دمغ الجماهير العربيّة بصفة الإرهاب، وبمُشعلي الحرائق بالأحراش، وبالمعتدين على المستجمّين و... ورجال الشرطة.
لم نتوقّع من بيبي نتنياهو، رجل الفوبيا/الرهاب، سلوكًا لطيفًا ومرنًا ومسؤولا؛ فهو يتقن لعب دور العصا والتحريض إزاء الجماهير العربيّة، ودور الجزرة والاستكساب للمستوطنين واليمين المتطرّف. وما تصريحه في يوم الانتخابات للكنيست أل 20 ، في 17-3-2015، إلا دلالة على شخصيّته المأزومة والمتناقضة مع منصبه. لم يكن حكم اليمين في خطر؛ ليستصرخ ويستغيث ويهدف إلى عرقلة وصول العرب إلى صناديق الاقتراع، وإلى تسهيل وتشجيع المستوطنين على احتلال عمليّة الانتخابات والسيطرة على النتائج... كما لم يكن العرب مُخلّين بالقوانين والنظام، ليصرّح في بداية 2016، بعد عمليّة إطلاق النار في تل-أبيب، بأنّه سيطبّق القوانين، بشكل مكثّف، على الوسط العربيّ!
اليوم نعود ونقول؛ بيبي نتنياهو غارق في فساده، ويشتدّ الطوق على عنقه، ونشهد غليانًا في المجتمع المدنيّ، ولن ينقذه من ورطته افتعاله سياسة المسكنة والتخويف من الصواريخ والنوويّ الإيرانيّ، ومن "البعبع" العربيّ، ولا صداقة ترامب وحضنه الدافئ، لن ينقذه من ورطته إلّا حربٌ مُفتعلة؛ فلا تسمحوا له بإشعالها.
نهايته قريبة؛ فساعدوه لينتهي قبل أن يفتعلها!