تصريحات ترامب بضاعة فاسدة لا مشترين لها
أمين خير الدين
مع كل التطبيل والتزمير الذي سبق ورافق لقاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو برئيس النظام الجديد في البيت الأبيض دونالد ترامب، ومع كل التجهيزات لهذا اللقاء، لم يكن اللقاء مكافئا للتوقعات المُنْتّظرة منه.
ففي المؤتمر الصحفي، رغم كلّ ما تُخبِّئه الكلمات التي قيلت فيه، إلاّ أنها توحي بأن الولايات المتحدة تتنصّل من إقامة الدولة الفلسطينية، ومن حل الدولتين، مع أنّ كل طرف من أطراف النزاع يستطيع أن يُمَنّي نفسه بتفسيرات تريحه، إلا أن الابتسامات ذات المعنى التي بدت على الوجوه، والإيحاءات التي بُثّت من الكلمات التي قيلت تقول أن رجل الأعمال القابع في البيت الأبيض لا تهمّه القضيّة الفلسطينيّة وأصحابها الحقيقيين من قريب أو بعيد. فحين يقول ما معناه يُسْعِدني ما يُسْعدكم، أريد ما تريدون، أنتم مَن يختار الحلّ، دولة، دولتين، أنتم تُقررون، هذه ليست التصريحات التي توقّعها وانتظرها العالم كله بترقّب شديد، من رئيس لأكبر دولة، وأقوى دولة، وبيده مفتاح القضيّة، وعليه يُعّوّل الحل الإنساني على الأقل.
هذا التلاعب بالكلمات لا يدلّ على أن القضيّة الفلسطينيّة تؤرق ليله، أو أنه يبيّت شيئا مريبا يخشى الإعلان عنه، لأنه يعرف أنه انحراف عن قرارات العالم والأمم المتحدة، كأن يقول لنتنياهو مثلا أفعلوا ما يطيب لكم، وأنا سندكم في كلّ ما تفعلونه من استيطان، واقتحام، وقتل، وتهويد، وحصار، وعنصريّة واحتلال.
هذا الأسلوب المعلن ذو الوجهين لا يُغير شيئا على أرض الواقع، كان موقفه ما كان، أصلا. كل نُزلاء البيت الأبيض الذين سبقوا ترامب، لم يفعلوا شيئا، قالوا أكثر مما قاله ترامب، عن إنهاء الاحتلال، وإنهاء القضيّة، وحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلة، ومع ذلك لم يمنعوا إسرائيل عن الاستيطان وتوسيعه، وتهويد القدس العربية، وإعدام إتفاق أوسلو، وبناء جدار الفصل العنصري، وإفشال إسرائيل لمشروع حلّ الدولتين.
كانوا رغم كلّ سياستهم المعلنة يدينون الجانب الفلسطيني حين يلوّح بالتّوجه إلى الهيئة العامّة للأمم المتحدة للإعلان، من جانب واحد، عن قيام دولة فلسطينية، أو حين تهدّد السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى محكمة العدل الدوليّة في هاج، ضدّ القتل والدمار والجرائم والحروب التي يشنّها الاحتلال وجيشه على الشعب الفلسطيني وجرائم الحرب التي يرتكبها، أو تهّد السلطة الفلسطينية بتخلّيها عن مسئولية الأمن، وترك هذه المسئوليّة لدولة الاحتلال، واقتصرت مواقف هؤلاء النُزلاء على الحبوب المهدّئة المتمثّلة بالدعم المالي للسلطة كي تبقى وفيّة لكل الاتفاقات مع إسرائيل، ورغم خرق إسرائيل لهذه الاتفاقات، ومن جل أن تبقى السلطة الفلسطينيّة محافظة على تغيير طابعها الأساسي كحركة مقاومة، لتكون نظام سلطة يرضي إسرائيل، ويحافظ على أمنها، ويُرضي نُزلاء البيت الأبيض.
أيّ إنسان بسيط وعاقل لم يتوقّع من ترامب موقفا إنسانيّا أفضل مما بثته كلماته في المؤتمرالصحفي التي تبيّت السوء للشعب الفلسطيني وقضيته. لأن مسيرته المنحرفة والمقروءة لا تُبشِّر بغير ذلك.