جولة في كتاب " تاريخ القبائل العربية المسيحية الغسانية عبر العصور "
( في السلط والرميمين والفحيص والضفة الغربية )
1700 م حتى 2015 م
لمؤلفه برهم يوسف المعشِّر .
بقلم : الدكتور منير توما / كفرياسيف
كان الأستاذ العزيز فارس خوري قد عرض َ عليَّ كتاباً يحمل عنوان " " تاريخ القبائل العربية المسيحية الغسانية عبر العصور في السلط والرميمين والفحيص والضفة الغربية 1700 م حتى 2015 م لمؤلفه الأردني العربي المسيحي برهم يوسف هيشان المعشِّر الذي أهداه هذا الكتاب لوجود معرفة سابقة بينهما , وقد تمنّى عليَّ الأستاذ فارس خوري أن أقرأ الكتاب وأكتب تعليقاً حول مضمونه وما ورد فيه من معلومات , فتلبية لطلب ورغبة الأستاذ فارس بهذا الشأن , فقد قمت بقراءة الكتاب , ووجدتُ فيه كثيراً من الأمور المثيرة للاهتمام من حيث موثوقيتها التاريخية ودلالتها في الواقع الحالي المعيش بكون معظم العشائر والعائلات المسيحية العربيّة التي تعيش في الأردن والضفة الغربية من فلسطين تعود بأصولها العرقية الى العرب الغساسنة علماً بأن هذه الحقيقة تنسحب على العديد من الأقوام والعائلات المسيحية التي تعيش في برّ الشام عامةً والجليل خاصة ً , ولقد خصّ الأستاذ برهم المعشّر بحثه حول أصول القبائل والعشائر المسيحية العربية في مناطق السلط والرميمين والفحيص في ألأردن , ومدن وبلدات الضفة الغربية في فلسطين كما أسلفنا نظراً لانتمائه الى المملكة الأردنية الهاشمية كمواطنٍ كريم ٍ فيها.
ومن المهم أن نشير بادئ ذي بدء أّن َّ الأستاذ برهم المعشّر يشدّد في تقديمه للكتاب على الحقيقة الراسخة أنَّ العرب المسيحيين هم عرب من عيون القبائل العربية التي استوطنت بلاد الشام والعراق , قبل الفتح العربي الإسلامي وذلك نسباّ ولغة ً وتراثاً وعادات ٍ وتقاليد وانتماءً قومياً في الماضي والحاضر , يسهمون في تقدّم وازدهار وثقافة أوطانهم ويفخرون بانتمائهم العربي العريق من خلال تذكير المؤلف للقرّاء بتاريخ عشائر الغساسنة العرب المسيحيين الذين عرّبوا هذه البلاد قبل ما يزيد على ألفي عام .
وقد أحسن المؤلف صنعاً حين قدّم لمحة تاريخية عن الغساسنة شارحاً أنَّ الغساسنة دولة عربية ظهرت في عهد الدولة الرومية الشرقية , وهو تحالف قبلي يطلق عليه اسم ( أبناء جفنة ) , كما أنهم قبائل عربية أصلها من الأزذ من كهلان من عرب الجنوب من قحطان من اليمن , رحلت في الأزمنة المتأخرة أواخر القرن الثالث الميلادي إثر تهدم سد مأرب الذي سبب تخريبات وانهيارات , ونزلت قبائل الأزذ في مكان عين ماء بين زبيد ورمح يقال له غسان فنسبوا اليه ثم ارتحلوا الى مشارف الشام بعد أن أقاموا فيها حيناً , وأنشأوا دولتهم التي عرفت بدولة الغساسنة واعتنقوا الديانة المسيحية على دين اليعاقبة واستقر الغساسنة في جابية الجولان , واتخذوها عاصمة لهم . وعندما ظهر الإسلام كانت البصرى عاصمة الغساسنة . ويذكر الكتاب ايضاً أنّه في خلال القرن الرابع الميلادي دخلت دولة غسان بالشام ضمن النفوذ البيزنطي السياسي .
وقد عُرف الغساسنة بتعصبهم للدين المسيحي . ويخبرنا المؤلف أيضاً أنَّ هناك العديد من شعراء العرب الذين كانوا يفدون على قصور ملوك الغساسنة أمثال النابغة الذبياني والأعشى وحسان بن ثابت ولبيد والمرقش الأكبر وعلقمة والفحل .
ويضيف الأستاذ برهم المعشّر أنَّ " للغساسنة بقايا معروفة الى يومنا هذا في الشام والبلقاء واليرموك والفحيص وجنوب الأردن وفلسطين وخاصة في عين عريك وبير زيت وبيت جالا".
وفي هذا السياق يبيّن الكاتب أنَّ " هناك عائلات كثيرة بقيت في سوريا ولبنان كآل معلوف ومنهم الحمامرة في الناصرة ( فلسطين ) وآل عطية وعشيرة الخازن كما أن منهم العزيزات والحدادين والدبابنة والقعاورة والمدانات والعمامرة وغيرهم الكثير من مسيحيي شرق الأردن وفلسطين الذين يعودون بأنسابهم الى الغساسنة " .
ويستطرد المؤلف في استعراضه لأصالة وعراقة الغساسنة قائلاً إنَّ : " العرب الغساسنة احتفظوا بمظاهر عروبتهم احتفاظاً كاملاً تمثّل باللغة والإتصال المباشر مع الجزيرة العربية ثقافياً واقتصادياً وكان الغساسنة أقرب وجود عربي , اثناء الفتوحات العربية الإسلامية " .
ويعتزّ الكاتب مفتخراً أنَّ العشائر العربية المسيحية في بلده الأردن كباقي المسيحيين ينتسبون الى الجليل – بشارة ً , والى بيت لحم - مولداً , ولأردنهم معموديةً و ولقدسهم – قيامةً و وكذلك فإنهم كأردنيين مسيحيين ينتسبون الى العروبة أصولاً – ومعتقداً – ولغةً – وحضارة ً – وعروبةً – وهي ينبوع انتمائهم .
ويقول : إنَّ من أبرز العشائر المسيحية في الأردن عشيرة ( الدبابنة ) نسبة الى البلد دبين التي ينتمي اليها الأستاذ برهم المعشّر والذي يأتي على ذكر ما جاء في كتاب الأستاذ عيسى اسكندر المعلوف ( دواني القطوف ) وكذلك كتاب الأستاذ نجيب الأحمر ( فلسطين تاريخاً ونضالاً ) بأنَّ العرب الذي نسبهم الى الغساسنة هم عشائر الخازن في لبنان وأحفادهم عشائر الدبابنة في السلط وفلسطين وعشائر العزيزات وعشيرة المعلوف ولهم علاقة مع عائلة ابي شديد الملقب بالحداد وعشيرة آل قعوار وعشيرة الحدادين والدبابنة والحثاثرة والدقوم والمدانات والنبور والقماقمة وعشيرة العمامرة وكثير من العشائر الفلسطينية المسيحية . فهم جميعاً من قبيلة ألأزد وأخيه ِ العاملة من كندة من كهلان من سبا عبد شمس من يشجب من يعرب من قحطان من سلسلة العرب العاربة .
ويضيف الأستاذ برهم المعشّر الى كل ذلك أن جذور عشيرة الدبابنة لها صلة بعشيرة معلوف اللبنانية والتي تنحدر من قبيلة غسان / الغساني من الأزد القحطانية .
ويضمّن المؤلف كتابه عدة أبواب تتناول لمحة عن قرية ( دبين ) قرية عشيرته الدبابنة , ولمحة عن مدينة الكرك والشوبك حاضنة عشائر الغساسنة حيث كانت الكرك في القرن السادس الميلادي تحت حكم الغساسنة .
ويكرّس الكاتب حيزاً كبيراً لرجالات عشيرة الدبابنة الذين عملوا على رفع شأن عشيرته الكبيرة والمحافظة على أسمها عالياً من أصحاب الدولة , والأدباء , ورجال السياسة , والفكر والتاريخ , مستعرضاً بإيجاز تاريخ وسيرة حياة تلك النخبة من رجالات العشيرة الأفاضل , المرموقين .
ويقدِّم الأستاذ برهم المعشّر تحيةَ إعزازٍ وإكرام لمدينة السلط التي أنجبت الكبار من رجالات المجتمع الأردني , مستعرضاً التركيبة الإجتماعية لقصبة السلط والعشائر العربية المسيحية الغسانية في السلط , ثم يسترسل في الحديث عن الأردنيين في الحياة التشريعية في العهد العثماني , وعن العائلات الوافدة الى السلط في القرن الثامن عشر . كما يعدّد أسماء العائلات المسيحية في قضاء السلط 1869 – 1920 وفقاً لكتاب الدكتور محمد عبد القادر خريسات , مُفرِداً صفحات من الكتاب للسجل الفيصلي 1918 – 1920 سجل الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك واللاتين والبروتستانت , وكذلك يورد سجل دير اللاتين – السلط للعشائر المسيحية 1869 – 1920 , وملخصاً عن كافة العشائر العربية المسيحية في السلط .
وينتقل الكاتب بعد ذلك لاستعراض العشائر العربية المسيحية في الفحيص , وكذلك يأتي بسجل الأحوال الشخصية – السلط لعائلات الفحيص / الروم الأورثوذكس واللاتين ( السجل الفيصلي 1918 – 1920 ) , مع نبذة تاريخية عن موطن الجد الأصلي لعشائر الفحيص ومواطن أبنائه.
ويتحدث الأستاذ برهم عن العشائر العربية المسيحية الغسانية في الرميمين مضمّناً ذلك سجل الأحوال الشخصية ( السجل الفيصلي ) لطائفتي اللاتين والروم الأرثوذكس مع نبذة تاريخية .
ولا يفوت الكاتب أن يتناول بإسهاب العشائر العربية المسيحية الغسانية عبر العصور في فلسطين 17.. – 2015 مقدّماً موجزاً عن القبائل العربية المسيحية الغسانية مُذكِّراً أنَّ أحفاد الغساسنة والمناذرة المسيحيين هم الذين ساهموا بشكل أساسي في فتح بلاد الشام مع خالد بن الوليد , وهم الذين صاغ معهم عمر بن الخطاب وثيقة تاريخية عند فتح القدس صلحاً ( 638 ميلادي ) باتفاقه مع البطريرك صفرونيوس لحمايتهم والحفاظ عليهم وعلى أديرتهم . كذلك تشتمل دراسة المؤلف تاريخ العرب المسيحيين : وجودهم , حياتهم , مساهماتهم , والأصول التاريخية للغساسنة , وقائمة بأسماء العشائر العربية المسيحية الغسانية في فلسطين حسب الترتيب الأبجدي مع شرح موجز عن كل عشيرة , مستعرضاً العشائر الأردنية التي لها علاقة بالعشائر الفلسطينية الغسانية وتلتقي معها .
بالإضافة الى كل ما أورده المؤلف , فإنّه يعدّد في نهايات الكتاب حمائل بير زيت العربية المسيحية الغسانية عارضاً شجرات عائلات أهالي بير زيت على مساحات عريضة من صفحات الكتاب كما فعل في مواضع أخرى سابقة من صفحات الكتاب عرض فيها شجرات عشائر وعائلات أخرى محور حديث الكتاب , وبرز منها الشجرة الأصلية للغساسنة في لبنان / دار الخازن مبتدئاً فيها بذكر أسم ( نمر من بيت الخازن – لبنان ) .
وأخيراً وليس آخراً , يمكن أن نخلص الى القول بأنَّ الأستاذ الباحث برهم يوسف المعشّر قد أبلى بلاءً حسناً في بحثه المفصَّل والمسهب هذا حيث يستحق الثناء والإطراء على ما بذله من جهود مضنية في إجراء هذا البحث القيِّم وإصداره في كتابٍ أنيق يستفيد منه الباحثون والمهتمون بهذا الجانب المعرفي المهم حيث يعتبر الكتاب بمثابة مرجعٍ تاريخيٍّ إجتماعيٍّ ثقافي ٍّ أصيل , فله خالص التحيات وأطيب التمنيات بموفور الصحة ودوام التوفيق والمزيد من العطاء.