إسرائيل تهوى الحروب
جدعون ليفي
هآرتس 2017/3/2 ترجمة: أمين خير الدين
إسرائيل تهوى الحروب. وبحاجة لها. لا تعمل شيئا لمنعها، وأحيانا تثيرها. ليست هناك طريقة أخرى لقراءة تقرير مراقب الدولة عن عملية "الجرف الصامد" وليست هناك نتيجة تُسْتَخْلَص من التقرير أهمّ من ذلك. كل ما تبقى – الأَنفاق، مركز الأمن القومي، الهيئة الوزارية (الكابينيت) والمخابرات – كلها من صغائر الأمور، ليست أكثر من وسائل لتحويل الرأي العام عن الجوهر. والجوهر هو إن إسرائيل أرادت الحرب، ورفضت كل البدائل، كي تشبع رغبتها.
إسرائيل أرادت الحروب في الماضي أيضا. منذ حرب 1948، كان بالإمكان الامتناع عن كلّ حروبها. كانت جميعها حروبا خيارية لا شكّ في ذلك، مع أنها لم تجن منها فوائد، على العكس بعض هذه الحروب سبب لها مضارا لا يمكن مَحْوَها. عادة إسرائيل هي التي بادرت إليها أحيانا انقلبت هذه الحروب ضدها، مع أنه كان بالإمكان في حينه منعها قبل وقوعها، مثلا في 1973. بعض هذه الحروب كانت سببا في إبعاد مَشْعليها، ومع ذلك، تختار إسرائيل الحرب المرّة تلو الأخرى كإمكانية أولى ومُفضّلة. من الصعب إيجاد تفسير منطقي لهذه الظاهرة، لكنها الحقيقة، كل إعلان حرب يحظى بتأييد جارف، وكاسح، تلقائي وأعمى لدى الرأي العام ولدى وسائل الإعلام. وبناء عليه، ليست الحكومة أو الجيش دُعاة حرب فقط، إنما إسرائيل كلّها تحب الحروب.
ومما يثبّت هذه الحقيقة، أن لجان التحقيق تنشر بعد كل حرب تقارير متشابهة تقريبا – تقرير مراقب الدولة عن "الجرف الصامد" هو اقتباس عن تقرير لجنة فينوغراد عن حرب لبنان الثانية ("إعلان الحرب كان متسرعا وغير مسئول"). وعندما لا نستخلص العِبْرة وننسى كل شيء – من المؤكّد أن ثمّة شيء قوي يشد إسرائيل إلى الحرب.
هكذا ا أيضا كان في صيف " الجرف الصامد"، لم يكن أيّ سبب للحرب، ونفس الشيء بالنسبة للحرب القادمة، الحرب التي على الأبواب. كم كان من المؤسف أن إنذار "الحالة القُصْوى" الذي انطلق أمس في الجنوب كان بلا سبب. كاد أن يخلق سببا لضربة غير مناسبة على غزّة، كما يحب ابيغدور ليبرمان ومعه إسرائيل، هكذا نتدحرج نحو الحرب القادمة.
عنوانها محفور على الحائط، مثيروها لا يضيّعون فرصة لإثارتها، سيرتها كسيرة الحروب التي تعرض لها تقرير مراقب الدولة، وسيكون أيضا تقرير للحرب القادمة، وسنلتقي مع الحرب القادمة، والتقرير القادم.
يمكن الافتراض، أن تندلع الحرب القادمة في غزّة. الذريعة جاهزة طبعا. الهلع من الأنفاق، الأنفاق التي ضُخِّمت لمقاييس خيالية كمقاييس حرب عالمية ذريّة، وكأن الأنفاق مُعدّة لذلك. وقذائف القسّام سبب لذلك منذ زمن. تكفي وسائل قتالية بدائية لتكون ذريعة كاملة للحرب. وكما كان قبل عملية "الجرف الصامد"، لا أحد يتوقّف ليسأل" ماذا يتحتّم على غزّة، غزّة التي لن تكون بعد ثلاث سنوات مكانا صالحا كَسَكَن لبني البشر؟ كيف تتوقّعون أن تردّ على الخطر الذي يهدد وجود سكانها؟ لِمَ العجلة؟ ثمّة وقت كاف. حاليّا يمكن تدميرها مرة أو مرتين.
غزّة تَدَلِّل إسرائيلَ في حروب عال العال.لاشيء يحبّه الإسرائيليون كما يحبون الحرب ضدّ عدوٍّ ليس لديه جيش، عدوّ لا يملك دفاعا جويّا، ولا يملك مُدرّعات أو مدافع، فقط لديه جيش من الفقراء وأنفاق، يوفّر لإسرائيل روايات بطولة وثَكَل. القصف الإسرائيليّ عديم الرحمة، لأجل هذا يُسمّى بالحرب، مع قليل من القتلى الإسرائيليين وكثير من القتلى الفلسطينيين – هكذا نحب أن تكون حروبُنا.
يقول المراقب في التقرير، إن الهيئة الوزارية لم تبحث عن بديل للحرب. هذه المقولة كانت يجب أن تكون صرخة تدوّي من أقصى البلاد لأقصاها، لكنها ضاعت بين بدون الأنفاق. كلّ طفل في غزة يعرف أنه يوجد بديل للحرب، وأنه إذا ما فُتِحَتْ أبواب غزة أمام العالم، ستكون غزة أُخْرى. وذلك بحاجة لقادة إسرائيليين شجعان، وهؤلاء – غير موجودين. وثمّة بحاجة لكثير من الإسرائيليين لأن يقولوا "لا" حاجة إلى الحرب – وهؤلاء أيضا غير موجودين. لماذا؟ لأن إسرائيل تَعْشَقُ الحروب
2017/3/2