قضاء؛ لِلقضاء عَلينا !
في مقالة رأي سابقة لي, كانَ عنوانها (إدانة مُؤقتة), ضمّ فحواها إدانة الجُندي (عَزاريا) بالقتل الغير المُتعمّد, أنهيتها آنذاك بجملة, وَهِيَ: "هذهِ الإدانة لا يُمكن اعتبارها إلا إدانة مُؤقتة فكلّ شَيء جائِز في أروقة قضائنا المُخذل".
هذا بالفعل ما حَصَل, إدانة الجُندي القاتل (عَزاريا) سَقطت عَن القتل الغير مُتعمّد سُقوطا تامًا عِندما أصدِرَ الحُكم الهَزلي بحَق فعلتهِ الغير إنسانيّة وَأصبَحَت أشبَه بإدانة سَرقة أو حَتى أقل بكثير مِن السّرقة فالسّرقة أحيانًا تكون أحكامها أعلى مِن سَنة وَنصف وَخاصّة إذا كانَ السّارق مُواطن عَربي!
استمرارًا لهذهِ القضيّة, اتخذتُ أسمًا لامعًا لمًقالتي هذهِ المَرّة تمامًا كلمعَة عَيني عِندما قرأتُ خبرَ الحكم الصّادر بحَق هذا الجُندي المُجرم, حَيث أنّ قضاؤنا أصبحَ وَكأنهُ قضاء يَهدفُ للقضاء عَلينا عِوضًا مِن إنصافهِ لنا وَللعَدالة وَذلكَ مِن خِلال إصدارهِ قوانينَ وَأحكام وَقرارات تهدمُ طموحَنا وَتُحبط آمالنا كأقليّات.
لم يَكن كافيًا أن يُدان (عَزاريا) بقتل غير مُتعمّد رغم أنهُ يَجب أن يُدرج تحتَ قائِمة القتل المُتعمّد لأنهُ أطلق بكلّ وَعي رَصاصَة قاتِلة عَلى شاب مُصاب كانَ مُلقى عَلى الأرض وَلم يَعُد يُشكل خطرا عَليهِ أو عَلى غيره, بَل حَققت لهُ المَحكمة أيضًا في تل أبيب وَالتي تُمثل القضاء "العادِل!!" حلمهُ وَحلم كلّ مُتطرّف عُنصري مِن أمثالهِ وَأصدرَت بحقهِ حكم وَلا بالحلم.
عُقوبَة (عَزاريا) وَإن صَحَّ التّعبير لِكلمَة عُقوبَة أصلاً, هُو تأشيرَة فِعليّة مُوقعّة عَلى يَدِ القضاء لإراقة الدّماء عَمدًا عَلى هذهِ الأرض.
تَهورّات الجهاز القضائي في جَميع القضايا وَالأصعِدَة باتت تتضّح أكثر وَأكثر وَهذا مُؤشّر خَطير, فبَعد أنّ هَيمنَ القضاء الإسرائيلي وَرَقابتهُ في بداية سَنوات التّسعينات وَأصبحَ ذا أهميّة كبرى وَعظمى في حَلّ أكبر القضايا السّياسيّة وَالاجتماعِيّة وَأهمّها وَكانَ بمَثابة المَنفس الوَحيد للأقليّات وَحقوقها, بَدأ شُعاع وَهَجهِ بالتراجُع في السّنوات الأخيرَة مِمّا أدّى إلى فقدان المُواطن العام وَالعَربي خاصّة ثقتهُ في هذا الجهاز الذي بَدأت عَلامات التطرّف وَالعُنصريّة تظهر عليهِ مِن خِلال تمريرهِ لقوانين في قمّة الإجحاف (مِثل قانون التسويَة), وَمِنها ما يَمسّ بحريّة الفرد حَتى (مِثل قانون حَظر تعدّد الزّوجات), إضافة إلى إطلاقهِ أحْكام غَير مُنصِفة أبدًا عَلى المُجرمين (مِثل الحُكم المُضحِك عَلى عَزاريا), وَهذا سَبّبَ قلق كبير لدى الجَميع وَلدى المُجتمع العَربي بشكل خاص حَيث أنّ هُناك فِئة كبيرَة مِن الأقليّات كانَت تؤمِن بشدّة في صِدق القضاء العادِل وَوجوده, لكنّ الواقِع فاجأها بالعَكس.
كلّ قانون عُنصريّ يَتم شَرعَنتهُ مِن قبل الجهاز القضائي هوَ بمَثابَة وَصمَة عار عَلى الدّولة أجمَع كونَها تدّعي الدّيمقراطية الكاذِبة أمامَ الجَميع.
كلّ حُكم فاشِل تُصدرهُ المَحاكم بحَقّ أيّ مُجرم هُوَ أيضًا بمَثابة وَصمَة عار عَليها وَعَلى كلّ المُواطِنين الذين يُؤيّدون مِثل هذهِ القوانين المُجحِفة وَالأحكام المُخزية.
الجُندي (عَزاريا) لا يُمَثل الجَيش فقط, بَل إنهُ يُمَثل فِئة مُجتمعيّة كامِلة بكلّ المَقاييس وَإن حَذَت هذهِ الفِئة حذوهُ فعَلى الدّنيا ليسَ السّلام أبدًا, بَل عَلى الدّنيا كلّ الشرّ وَالآثام.
الأحكام الغير مُنصِفة تفتحُ المَجال لكلّ مُجرم أن يَفعل ما يَحلو لهُ مِن إراقة دِماء سِواء كانَ جُندي
أو مُواطن عادي فالأحكام المُخفّفة ليسَت رادِعة أبدًا بَل أصبَحت مَفهومَة ضِمنًا بَعدَ كلّ جَريمَة.
أنا أعي تمامًا كما يَعي الكثيرون غَيري أنهُ ما كانَ عَلينا كأقليّة أن نتفاجَأ مِن انحِلال إخلاقيّات نِظام الجهاز القضاء الإسرائيلي وَوصولهِ إلى الحَضيض كما اليَوم, لأنهُ كانَ واضِحًا أنهُ سَوفَ يَنتهي عَصرهُ مَع سَيطرَة اليَمين المُتطرّف وَالاستيلاء التّام عَلى الحكومَة.
لا آمل ذلك مُطلقا, وَلكن أنا في انتِظار خبَر الإعفاء الكُلي عَن الجُندي القاتِل بَعدَ الاسْتِئناف, لكي أكتبَ عَنهُ في المَقالة الآتية فليسَ هُناكَ مُستحيل في قضائنا "المُبجّل", أقصدُ الأحمَق.
بقلم: أزهار أبو الخير- شَعبان.عَكّا