اذا قل ماء الوجه قل حياؤه .
بقلم: دكتور نجيب صعب – أبوسنان
هذه عبارة تتردد بين الحين والاخر , بين الناس , وبين مجموعات وعائلات وافراد وافراد , وكثيرون من يعون معناها , ويفقهون ابعاد هذا المعنى بجوانبه الكثيره ومعانيه المتعددة , يقومون بدورهم في المحيط الذي يعيشون فيه , وربما يؤدي اداء هذا الدور الى تحسن ملموس وملحوظ في عدة نواحي في حياتنا اليومية وعلى الغالب تكون نتائج ايجابية وبناءه , فبارك الله في امثال هؤلاء الذين يستحقون الثناء والتقدير .
وكذلك كثيرون يفهمون معنى هذه العبارة جيدا , الا انهم لا يقوموا باداء اي دور في هذا السبيل, وكأن الامر لا يعنيهم , او كأنهم خارجون عن محيطهم , او لا ينتمون اليه , ويتركون الامور على عواهلها دون اخذ زمام المبادرة في اي مجال للتوجيه او للتنبيه والتحذير , فيترتب على امثال هؤلاء اعادة النظر في هذا الموقف , لانه ينطوي على حيثيات قد تتمخض عنها سلبيات اجتماعية عاجلا ام اجلا , وهنا لا يهم الوقت طالما النتيجة ستكون واحدة .
وقد تصادف اناسا اخرين ومن نوع اخر بعكس ما سلف ذكره , فهم .... نعم هم يفهمون هذه العبارة جيدا , ويعرفون ابعاد معانيها المتنوعه , الا انهم يضعون ضمائرهم في ثلاجة , وتخمل جلودهم , وكأنهم في كثير من الاحيان لا ينتمون الى الاسرة الانسانية في تصرفاتهم كيف ما نهجوا واين ما حلوا , في امر هؤلاء علينا ان نفكر مليئا , وندقق في الدراسة الذاتية لامورهم , ونعمل جميعا يدا بيد وبكل صدق وارادة وتصميم , وبتظافر جميع القوة لكبح جماح هؤلاء ليس لسبب واحد فحسب , وانما لاسباب يصعب حصرها لكثرتها ولما تحتوي عليه من اخطار هدامة , من تصرفات غير اجتماعية , بعيدة كل البعد عن الواقع وعن الانسانية وعن حقيقة التعامل الانساني , في هذا الظرف ينبغي ايقاف هؤلاء عند حدهم لان امثالهم لا مكان لهم مطلقا في المجتمع الانساني .
فالمجموعة الاولى تعرف وتميز وتقدر عاليا احترام النفس واحترام الغير وتتحلى بماء الوجه الذي يتمثل بالحياء , وبالشرف , وبالناموس , وبالذوق السليم والاتزان الانساني والاخلاقي , وليونة الجانب , وحسن الاستماع والاسماع , وتحتضن هذه المجموعة بين ذراعيها اناسا من ذوي الكرامات , اناسا من ذوي المسؤوليات , اناسا تهمهم مجريات امور مجتمعهم , يعرفون اين تكمن سلامة ونقاوة محيطهم , منهم رجال دين ووجهاء دنيويون , ومنهم اصحاب المهن الحرة وذوي المناصب الرسمية والجماهيرية , هؤلاء هم ذخر للمجتمع , يقاومون كل اعوجاج بحنكة وقناعة ذاتية نظيفة وحقيقية , هؤلاء هم الذين تكتنز وجوههم بماء الوجه والحياء ويعرفون حدودهم , ولن يضمحل ماء الوجه في محياهم ابد الدهر .
اما المجموعة الثانية فتختلف كثيرا عن سابقتها , لان الانسان الذي خلق في هذا الكون , ولا يقوم بدوره كانسان في الدرجة الاولى , ولا ينفع نفسه وبدون ريب لا ينفع غيره , ولا يبادر يوما الى استغلال امكانياته او قدراته للعمل الافضل ولزرع روح المبادرة والنشاط في نفوس الناس , فتراه راقدا لا فيه ولا منه فائدة , هذا الصنف من بني البشر يجب تحريكه وحثه وبشكل متواصل دونما انقطاع لانه في ذلك تنم الوجوه عن قلة الماء نوعا ما , وعندها تكون بداية قلة الحياء .
والمجموعة الثالثة التي تعتبر معقلا للشر , ومرتعا للانحرافات ومنبعا للشذوذ في قلة الحياء , وفي الوقاحة , والكذب الذي يعتبر اكبر عدو للبشرية بدأ من الفرد الواحد انتهاء بالمجتمع الانساني , هؤلاء لا يعرفون مياه الوجه ولا يخجلون من شيئ , وقد يتفاخرون بالسيئات التي يقومون بها , او بالتصرفات اللا اخلاقية , فوقاحتهم قد تستمد في بعض الاحيان من حقدهم وخبثهم واعوجاجاتهم , وقد لا يكترثون بما يسمعون او بما يصادفون من انتقادات لاذعة فتخمل جلودهم , وقد تتجمد مشاعرهم , وضمائرهم لا محرك لها ولا حول لها ولا قوة , هذا كله نابع من قلة ماء الوجه الذي يعمل على طرد الحياء ودفن المروءة , فلا تهم هؤلاء نتائج افعالهم السيئة والحاقدة , فهؤلاء هم عالة على المجتمع ومرض خبيث فيه ينبغي اقتلاعه من الاعماق.
وعليه يترتب على المرء بكل آن وفيه كل مكان ان يتمثل بالمجموعة الاولى ان يعمل جاهدا على اتباع طريق الانسانية الخلاقة والتصرف اللائق لتنمية وتقوية وتدعيم الايجابيات والمبادرات لاعمال الخير لما فيه مصلحة المجتمع عامة والا يكون في موضع لا يحسد عليه , ينتقده الكثيرون وقد يتبرأون منه ويرددون "اذا قل ماء الوجه قل حياؤه " .