سأحاول القاء ضوء على نظرية المهدي المنتظر ، كما يعتنقها البعض ، وابين الاسباب الفلسفية والسياسية ، الكامنة وراء هذا المعتقد ..
لن اعود الى مراجع خاصة بالموضوع وساستند الى ما عرفته من احد اتباع هذه النظرية ويدعي انها نظريته .. وفي الحقيقة تبين من كلامه انه لا يعرف ما معنى نظرية ، فالنظرية ليس مجرد شبكة افكار مجردة، وانما لها شروط عقلية منطقية - عندما يكون موضوع النظرية ميتافيزيقي ، ولها شروط تجريبية عندما يكون موضوعها اجتماعي وفيزيقي .. لكن صاحبنا لم يراعي اي شرط في ما اسماه " نظريته" ومن لا يراعي الشروط المنطقية ولا التجريبية ، يستطيع ان يعلن ليل نهار عما يراه دون ان يقنع سوى نفسه ، ويصح ان يكون مؤمن بفكرة لا عالم بفكرة ..
المبرر الفلسفي والاخلاقي لفكرة المهدي يتمثل في ان "الخلق ليس عبثا ولا بد من تحقيق العدل ولا بد لذلك من كائن فوق رتبة البشر يقوم بتحقيق العدل ، وهو الامام المعصوم ، ومعنى معصوم لا يخطيء ولا يجور ..وفي مكان آخر لا يقع في الكبائر كالبشر اي لا يرتكب الخطايا والآثام بطبيعته المنزهة عن ذلك .. " اما المبرر السياسي فكان على خلفية الصراع على الخلافة الاسلامية ،ومصدر الفكرة واقعيا ميل قسم من المسلمين الى تفضيل علي بن ابي طالب لحكم المسلمين .. لكن شيعته اي مؤيدوه توسعوا في فكرة الخلافة، وقالوا ان نسله فقط من يتوجب ان يحكموا بالتسلسل الى يوم القيامة .. بل وذهب الغلاة من شيعة علي الى القول بألوهته ، ثم الصقت صفة الالوهة بالمهدي المنتظر ، الذي سيأتي " ليملأ الارض عدلا وانصافا بعدما ملئت ظلما وجورا "
الفكرة جدا جميلة ومثيرة ، لكنها جدا طوباوية وجدا خيالية وجدا متحيزة، وهي طبعا منافية لعقيدة السنة ، اذ لا الوهة لبشر في عقيدة السنة ، ثم لا عصمة لبشر بما فيهم النبي .. غير ان صاحبنا رأى الوجود في مراتب..( المرتبة الأعلى هي للمطلق،
ويليه الالوهة ،
ثم الاسماء والصفات ،
ثم العالم بكائناته كممكنات وقابليات ..)
منطقيا وعرفانيا وفلسفيا ليس الخطأ فقط في جعل المطلق في مرتبة من مراتب الوجود ، اذ هكذا يبطل ان يكون واحد احد غير محدود مشتمل على كل شيء ،بل الخطأ الافدح في ان المطلق الذي هو اعلى من الالوهة حسب صديقنا، هو ذات المهدي ، ويقول "ان المهدي باعتباره المطلق يسري منه جزء في كل ما دونه ، اذ لا طاقة للخلق تمكنهم من الاتصال المباشر به .." وهنا من يملك معرفة بمعنى هذه المصطلحات ( مطلق وألوهة ) لا يمكنه قبولها كما في الطرح المهدوي ، اذ هي مخالفة لمغزاها ولمنطق العقل ، اذ كيف يكون المطلق فوق الالوهة ، ثم يكون حصرا في شخص المهدي ..! هذا كلام محض اسطوري لا يخضع لمعايير العقل السوي ، ناهيك عن الطغيان الفئوي والشخصي والجهوي الكامن في المهدوية المزعومة ..
تعقيب : اقول اصلا هذه الحبكة الخيالية المتعسفة الناسفة للعقل والروح معا ، مجرد تبرير صبياني للاسئثار بالحكم ، ومحاولة للسيطرة على عقول التوابع من بسطاء المسلمين ، في وقت لا احوج لنا من العمل على تحرير العقل العربي من كل الموروث الغيبي ، وارساء العقل المنطقي والعلمي والاخلاقي والانساني، كمرجع وحيد للتعاطي مع الواقع ، وكعامل سياسي لفصل الدين عن الدولة ، ولا امل للعرب في غير هذا .. كميل فياض