حاول ابن ال- 17 أن يهرب من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، أطْلِقت النار على ظهره فقُتِل
جدعون ليفي و أليكس ليبك
هآرتس 2017/3/24 ترجمة: أمين خير الدين
تهيّأ مراد أبو غازي لإلقاء زجاجة حارقة على شارع رقم 60 بين بيت لحم والخليل. وعندما رأى الجنود الذين كمنوا له هرب راكضا حتى أطلقوا النار عليه فانهار وسقط. هذا هو القتيل السادس من مخيم اللاجئين في السنتين الأخيرتين.
ليلة السبت الماضي ذهب مراد أبو غازي ابن أل- 17 للاحتفال بمناسبة إطلاق سراح أسير، من مُخيَّمِه، بعد مضي 13 سنة في السجن الإسرائيلي. أُطْلِق سراح إسماعيل فرجون من السجن في نفس اليوم وأُقيم الاحتفال به في نادي اللجنة الشعبيّة في مخيم العروب للاجئين، الواقع على مفترق الطرق بين بيت لحم والخليل. مخيم مكتظ وصعب والاحتفالات به قليلة. وربّما هذا هو السبب وراء مجيء كثيرين ليلة السبت، لتقديم التهاني، والحلويات والأهازيج احتفالا بالأسير المحرر العائد إلى بيته.
خرج مراد من الاحتفال في ساعات المساء الأولى، برفقة أبيه، يوسف، رجل ثقيل السمع، وبرفقة عمّه حسن، معلّم متقاعد. ودّعهما مراد ولم يقل لهما إلى أين يتّجه. وبعد ساعة من ذلك أُطْلقَ جنود ج.د.ا. النار عليه فأُصيب بظهره وقُتِل. ذهب مراد من النادي، الموجود في الطرف الشرقي من المخيم، باتجاه الطرف الغربي منه، المُحاط بجدار– باتجاه الشارع رقم 60. حيث يوجد موقع دائم لجيش الدفاع الإسرائيلي: برج حراسة مُحَصّن، مكعبات إسمنتيّة ووجود دائم للجنود.
انضم إليه بطريقه أربعة فتيان بسنِّه. حملوا بأيديهم أكياسا من النايلون بها زجاجات حارقة من صُنْعِ أيديهم. وفي طريقهم التقى بهم ابن عم مراد. شاب عمره 28 سنة، يسكن شقة من غرفة واحدة صغيرة، على بُعْد عشرات الأمتار من جدار المخيّم،. حاول إقناع مراد بالعودة إلى البيت، وحسب أقواله، خاف عليه من أن يتورّط. لم يُطِعْه مراد. وفي أثناء ذلك انصرف اثنان من الفتيان وبقي ثلاثة، بالقرب من الجدار.
وحسب أقوال شهود عيان، أخرج الفتيان الزجاجات الحارقة ووضعوها على الكتلة الإسمنتيّة، تحضيرا لرميها عَبْر الجدار العالي الذي أُقيم قبل سنوات، لمنع إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على المسافرين على شارع المزدحم. على الجانب الثاني من الجدار، داخل المخيّم، وقفت في نفس الوقت سيارة جيب عسكرية تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي. وفي عتمة المساء لم ير الفتيان الجنود الذين كمنوا لهم.
خرج من كُشْك الصفيح المقام بجانب الجدار، حيطانه مهشّمة ومثقوبة ومصطبته مليئة بالأوساخ، خرج بشكل فجائي عدد من الجنود. وعندما رآهم الفتيان بدأوا بالهروب باتجاه بيوت المخيم. أطلق الجنود النار عليهم من الخلف بينما هم يهربون. أُصيب مراد برصاصة بظهره. وأصيب صديقه رشدي سيفـ أيضا. وهو يرقد الآن في قسم العناية المكثّفة في المستشفى الأهلي في الخليل ولم يكن من الممكن زيارته هذا الأسبوع. وأصيب صديقهما الثالث لكنه لم يرغب في التعريف عن نفسه، لأسباب معروفة. انهار مراد، وسقط يتخبّط بدمه ثمّ مات بعد وقت قليل.
آثارُ الدم كانت لا تزال على الشارع وتُظْهِر مسار هروبه. هذا هو الشارع الرئيسي في المخيّم، يخترقه من الغرب باتجاه الشرق، ليس به رصيف واحد وعلى جانبيه بيوت وحوانيت، محشورة بشكل فظيع، مخيم زاخر. جميع بيوته منتشرة على جانبي هذا الشارع وحول الأزقّة الضيّقة المتفرّعة منه. عندما سرنا به هذا الأسبوع، من المكان الذي قُتِل به مراد، وحتى المكان الذي أقيم فيه الاحتفال بإطلاق سراح الأسير والذي تحول بعد يوم واحد إلى بيت عزاء، امتلأ هذا الشارع بآلاف الأولاد الذي خرجوا للتوّ من المدرسة. ستة قتلى من هذا المخيّم في السنتين الأخيرتين، كان من المستحيل ألاّ نتساءل، عند رؤية الأولاد الخارجين من المدرسة، كم سيُقْتَل منهم أيضا.
فيروز وفيلم مصريّ
في الطرف الثاني من الشارع، حيث ينتهي المخيّم، بالقرب من الجدار والكتل الإسمنتيّة، وقف جنديان يتناولان وجبتهما من صينيّة من الألمنيوم. ربّما يكونان مَن أطلق النار على مراد. الجنود هنا يتواجدون عند كل مداخل المخيم وعلى البرج الذي يُشْرِف عليه. كان علينا الالتفاف حولهم بأيّة طريقة حتى نتسلل لداخل المخيّم. أبقينا سيارتنا في مكان غسل السيارات، وأسرعنا بالدخول سيرا على الأقدام للمخيم.
دعانا ابن عمّ مراد لتناول فنجان قهوة في مقصورته الصغيرة، نوع من الغرف الرخيصة التي تدخلها من فناء مليء بالخردة، ليست بعيدة عن مدخل المخيم. بها تلفزيون قديم ومبحوح يبث فيلما مصريا، على الطاولة علبة مهدئ للأوجاع، وبقايا وجبة خفيفة من الليل، سرير حديدي فراشه مقلوب، صورة حائط للمطربة لفيروز وهي في صباها، وبجانبها عبارة من إحدى أغانيها المشهورة : "حبسي أنت...أنت حبسي وحريّتي". سيارة ابن العمّ مُغطّاة بشعارات لذكرى القتيل. باستثناء زميليه والجنود هو آخر من رآه في حياته.
أُطْلِقت النار على مراد الساعة 8:40 مساء، ليلة السبت الأخير. أطلق الجنود النار عن بُعْد يُقدّر من 15 - 20 مترا. هرب مراد في هذه المرحلة راكضا ولم يعرّض سلامتهم للخطر خلال هروبه. استطاع أن يتقدّم خطوات قليلة، قبل أن ينهار ويقع أمام صورة حائط لتشي جيفارا، الصورة التي يوجد مثلها في كل مخيم للاجئين، وبالقرب من المختبر الطبي في المخيم.
تتدحرج على الشارع خرطوشة حمراء مكتوب عليها " قنبلة ارتجاج مُزَغْلِلَة للنظر. التوقيت 3.5 ثانية". ركض مراد في الجانب الأيسر من الشارع، وسيف على الجانب الأيمن.آ ثار الدم موجودة على المسارَيْن. فقد كلاهما كثيرا من الدم. سمع ابن عمه صراخ امرأة فخرج إلى الشارع. رأي ابن عمه يتخبّط بدمه. نقلته سيارة خصوصية التقت مع سيارة إسعاف فلسطينيّة عند مفترق سعير، ومن هناك نُقِل خلال وقت قصير إلى المستشفى الأهلي في الخليل.
مكبر صوت في الطابق الأول من نادي اللجنة الشعبية يبث أغان حماسيّة فلسطينيّة من فترة حرب لبنان واحتلال بيروت، حيث يجلس ذوي الفقيد وإلى هناك يتوافد المُعزّون. وهناك أيضا احتفل مراد احتفاله الأخير.عندما وصلنا إلى هناك دخلت بعثة من السلطة الفلسطينيّة في رام الله. الأب ثقيل السمع والنُّطْق، يشد على أيادي المعزّين بصمت. قال لنا أخوه حسن أن وضعه النفساني سيء. كان مراد ابنه الصغير. عنده ثماني بنات وبنين. اعتمد في معيشته على الإعانات والتبرعات، عائلته فقيرة جدا. تزيّن القاعة صور ابنه، وأعلام فتح الصفراء وصور ياسر عرفات. وصورة وحيدة لأبي مازن. يتجوّل فتيان المخيم بين المُعزِّين يوزّعون التمر والقهوة السادة، كما هو مُتبَع. يلبسون قمصانا بيضاء من التريكو نُقِشَت عليها صورة مراد. يعلن الإعلان عن قدوم البعثة، والوجوه تتكدّر.
مطلوب من سن 13
العم حسن أبو غازي يصعد معنا إلى غرفة الطعام في الطابق الثاني من النادي، حيث الهدوء، يحدّثنا عن ابن أخيه: كان مراد مطلوبا عندما كان فتى، بعد أن اشترك عدّة مرّات بإلقاء حجارة. ترك الدِّراسة من الصف العاشر واعتاد أن يختبئ في المخابئ عندما كان عمره 13 – 14 سنة. دهسته مرة سيارة جيب عسكريّة لكنه لم يتأذّى. اعتاد جنود ج.د.ا. اقتحام بيته للبحث عنه. قبل سنة جاء الجنود في منتصف الليل واستطاعوا القبض عليه. أمضى أربعة أشهر في السجن. وبعدها لم يعد للدراسة.
يحدِّثنا حسن عن فقر العائلة ويرفع صوته كي يسمع أخوه. في هذه القاعة رأى ابن أخيه للمرّة الأخيرة. عندها تصرّف مراد عاديا ولم يتفوّه عمّا يخطّط له في ذلك المساء. بعد ذلك سافر العمّ إلى الخليل وهناك وصله خبر الوفاة تلفونيا من زوجته. أسرع إلى مستشفى الميزان، لم يكن ابن أخيه هناك فتابع إلى المستشفى الأهلي. هناك قرر الأطباء وفاته. في البداية أعلِن في وسائل الإعلام الفلسطينية عن قتيلين، وبعد ذلك صُحِّح الخطأ.
طُلِب منه في المستشفى الموافقة على تشريح الجّثّة، لكن لم يوافق. قال مراد مات ماذا يفيدنا ذلك. أروه الجثّة: ثقب في الظهر وثقب في الصدر. حسب التقرير الطبي الصادر عن المستشفى "وصل الجريح إلى غرفة الطوارئ بسيارة الإسعاف التابعة للهلال احمر، بعد أن أصيب بنيران جيش الاحتلال. وصل فاقد الوعي، وبدون نبض. أُجْريت محاولات إحياء لكن بدون نجاح وبعد الفحص وجدنا أنه أُصيب برصاصة اخترقت ظهره وخرجت من صدره من الجانب الأيسر" وأُعْلِن في الساعة 21:15 عن وفاته .
صرح الناطق بلسان ج.د.ا. هذا الأسبوع لجريدة "هآرتس" إنه بالنسبة للحادث بدأت الشرطة العسكريّة بالتحقيق، ومع انتهائه تُحَوَّل نتائجه للنيابة العسكريّة".
2017/3/25