نُكران الجميل.. بقلم: دكتور نجيب صعب – أبوسنان
كثيرون من الآدميين في مختلف ارجاء المعمورة يولدون وفي عروقهم يجري دم مليئ ومفعم بحبهم لعمل الخير , وللقيام بعمل جميل ما , ان كان ذلك على الصعيد الشخصي او الجماعي , على الصعيد الخاص او العام , وفي المجال القريب او البعيد , ولاناس قريبين او بعيدين , هذا الامر يبدو جليا وواضحا ويبرز كذلك من خلال التعامل اليومي من طرف اناس من الله عليهم بهذه الصفة الخلاقة , منهم من يقوم بالعمل الجميل ويقدمه من خلال عمله , ومنهم من يقدمه خارج نطاق العمل وهو غير ملزم بذلك ويمكنه تجاهل هذه الخطوة , ولكن حبه في العمل الجميل والطيب يلزمه بالقيام بالعمل الانساني دون اكراه او اجبار, وانما رغبة منه في تأدية مثل هذا العمل بنية صادقة وبروح خلاقة .
وكثيرا ما يحظى اناس بعمل جميل يستفيدون منه وربما يتقدمون في سلم حياتهم , وقد تتطور احوالهم الى الاحسن والافضل , ان كان ذلك على صعيد العمل او على الصعيد المالي والاجتماعي وربما السياسي في بعض الاحيان , ذلك بفضل مساعدة ورعاية ومواكبة من قبل الاخرين , ونراهم قد تغيرت وتبدلت احوالهم واصبحوا بحالة تختلف كليا عن ذي قبل , وتحولت كذلك حياتهم الى الاحسن وربما كان الفضل في ذلك للاقرباء او الاصدقاء او الزملاء والمعارف
وفي مثل هذه الظروف يختلف بنو البشر في مدى اعترافهم بالمساعدة او بالعمل الجميل , فمنهم من يعرف ويعترف انه تلقى مساعدة وكانت فاتحة خير في طريقه ايا كان هذا الطريق , وتراهم يقدرون ويعملون ما في وسعهم لرد الجميل بمثله وربما باكثر منه .
ومنهم من يشعر بانه مدين لهؤلاء الناس ويتحين الفرص لمكافأتهم على معروفهم الذي قدموه , ومنهم من يتجاهل هذا العمل وكأنه لم يحدث معه اي شيئ , ومنهم لا يعترف ابدا وكأنه لم يتلق اية مساعدة او اية معونة , وينفي انه كان باية صلة معينة, مادية , اقتصادية , اجتماعية وحتى سياسية, وكذلك ينفي قاطعا اية صلة لمعونة ما ويدعي انه هو .. هو وفقط هو وبفضله وصل الى ما وصل اليه دون العودة الى الحقيقة والاعتراف بالجميل , والانكى من ذلك انه قد ينكر هذا الجميل مطلقا ويحاول بكل وسائله في الاقناع والبرهان والاثبات, بانه لم يتلق اية معونة حتى ولو استشارية , وقد يسوقه طيشه في كثير من الاحيان ليس فقط الى انكار الجميل, هذا الجميل الذي حصل عليه هو من نفر من الناس وانما يبدأ بالقدح والذم ببعض الناس من الذين كانوا مرجعا في كل صغيرة وكبيرة وكأنه لا تربطه بهم اية رابطة !!! الامثلة كثيرة , كثيرة وكثيرة .
الامثلة كثيرة نعم وكل فرد يمكنه مواكبة مثل هذه الاحداث التي كثيرا ما تحدث بين ظهرانينا نحن بني البشر , فلا حصر لامثال هؤلاء , ولا حصر لتكرار اعمال كهذه , والنتيجة في غالب الاحيان تكمن في القول الشائع ( تمسكن فلان حتى تمكن ) , عندها يظهر على حقيقته وعلى حجمه دون تصنع , فتراه وبكل وقاحة يتنكر للمعروف وينكر كل جميل كان قد صنع معه من اية جهة كانت , ويصول ويجول معتزا بنفسه هو ... !!! ولكن بالطبع الى حد معين .
وهنا وفي مثل هذا الظرف تطرح نفسها اسئلة عديدة واهمها : اين الوفاء في هذه الحالة !! اين يقف الضمير في هذه الآونة ؟ اين الامانة والاعتراف في الجميل والمعروف ؟ اين هذا المرء من معاني الانسانية ! اين يقف من الاخلاق ومن التعامل الشريف والمستقيم ؟ كل هذه الاسئلة وغيرها تضرب عرض الحائط عند امثال هذا النوع من الناس وقد تبقى هذه الاسئلة يتيمة ابد الدهر ولا مجيب لها .
ذا طوبى ثم طوبى للذين يعرفون ويعترفون بالجميل , ويحاولون قدر استطاعتهم رده بمثله او اكثر , وطوبى للذين يعلمون مدى تأثير تصرفهم هذا ايجابيا في المجتمع , وطوبى للذين يعملون على الاحترام والتقدير من باب التعامل الايجابي والانساني ورد الجميل باحسن منه في كل آن ولو بعد حين, لان في ذلك خير فعله وخير تصرف وخير طريقة لنشر الفضيلة ولتقدير اصحابها وتشجيعا لفاعليها, وللذين يسيرون في هذا الطريق .
واخيرا يترتب عدم التأثر من امثال هؤلاء الناس , من ناكري الجميل كما يجب الا نعمم ذلك لان المجتمع يعج ويزخر بانواع كثيرة ومتنوعة من الرجال علهم يوما يستفيقون من سباتهم ويعود رشدهم اليهم حيث لا ينفعهم الندم .
ولفاعلي المعروف والجميل اقول ومن اعماق القلب : سيروا على نهجكم الاجتماعي وتوسعوا في مسلككم الانساني هذا, غير مكترثين ولا مبالين بتصرفات غير مسؤولة ,لانه بكم وبامثالكم تتعزز العلاقات ويصح التعامل والتعاون بين الافراد الذي من شأنه ان يؤدي الى تحول ايجابي في دفع عجلة التقدم والتفاعل الاجتماعي نحو الافضل .