النفس اليهودية شفوقة
جدعون ليفي
هآرتس 2017/4/6 ترجمة: أمين خير الدين
فجأة يعنينا مَقْقل الأولاد. فجأة يرتجف الإسرائيليّون حتى من قتل الأطفال العرب. الضمير الإسرائيلي المعهود استيقظ. التبرعات في طريقها، إذا توفّر الأمر. انظروا إلى العناوين، شاهدوا الصور من سوريا، هي جوهر الأخبار. تلامس شغاف القلوب. تعاطف إنساني كهذا مبدئيا، هكذا مؤثّر، بدون تمييز في العرق أو الدين. مَنْ يمكنه أن لا يرتعب من منظر أطفال مرتبكين يخنقون من الغاز. وأيُّ يهودي يمكنه أن لا يبالي من منظر المجزرة الكيماويّة.
في الواقع، أصبحت الصور من إدْلِب صورا قتاليّة. صدق الرئيس روبي ريبلين: "وصمة على جبين الإنسانية". وصدقت أيضا "يديعوت أحرونوت" في عنوانها الرئيسي: "قَتَلَة أطفال"، وكثير من الصور المرعبة، شاهدوها وترتعبون، أيها الإسرائيليون الصالحون،. قُتِل 100 شخص على الأقل جرّاء الهجوم الكيماوي الذي قامت به قوات الرئيس السوري. مُعظمهم من الأطفال. كل طفل قتيل هو عالم بحدّ ذاته، ومجرد استعمال أسلحة الإبادة الجماعيّة هو غضب من الله.
الأسرائيليون لم يستعملوا أسلحة إبادة أبدا. ليس لدينا في السلطة قتلة أطفال لم يكن عندنا أبدا وحشية سوريّة وتعطش أسدي للدم. هذه حقيقة. أل – 180 رضيعا الذين قُتِلوا في صيف 2014 في غزّة قُتِلوا من سلاح نظامي، تقليدي، قانوني، وسلاح نظيف. أل-366 طفلا الذين أُضيفوا لهم، أيضا قُتِلوا في صيف 2014، قُتِلوا وهم يلُعْبِون على شاطئ البحر، أو في سِرّتهم أو وهم يفِرّون لينجوا برواحهم.
كانوا أطفالا ورُضَّعا تماما كالأطفال الذين قتلهم نظام الأسد، قُتِلوا بوحشية: كما حدث في إدْلِب، وأيضا كان عددهم كبيرا لحد الرُعْب، وكانت لهم أسماء، ومن غير المؤكّد أن موتهم كان أسهل من موت أطفال سوريا. نُشِرت في العالم صور مُخيفة عن طريقة قتلهم. يكفي أن تتمعّن أخير بفيلم "سيارة إسعاف" الفيلم الوثائقي لمحمد جبالي، سيارة الإسعاف التي انضمت لسيارة إسعاف فلسطينيّة من غزّة، شغّل الكاميرا ووثُق المَشَاهد بدون حذف، هكذا كانت، كمَشاهد سوريّا. صحيح أنها استمرت 50 يوما، لكن خلال هذه المُدّة، ومقابل عدد من السكان يبلغ حوالي مليوني إنسان فقط، عدد مكتظ لا يُمْكِنه أن يهرب، لا يمكن التهرّب من مقارنة أخلاقيّة مع ما حدث في سوريا.
بُثَّت صور الأطفال القتلى من غزة في صيف 2014 في كل أنحاء العالم، عدا دولة واحدة صغيرة، غير واقعية، أثارت هذه الصور رُعْبا كالرعب الذي أثارته الصور من سوريّا أول أمس. في كل العالم، ما عدا في إسرائيل.هنا في إسرائيل ِلم يعرضوا ما فعلته أيدينا. يتعرض الإسرائيليّون للإعلام الذي يحذف من الواقع، كخدمة للمواطن. هل رأَوا في إسرائيل لمرّة واحدة جُثثا مشوّهة لأطفال غزّة، كما رأَوا أوّل أمس صورا من سوريا؟ ليس في إسرائيل. هل ثمّة صور كهذه؟ طبعا يوجد. والمطلوب مشاهدة "فيلم "سيارة إسعاف"، أو الدخول إلى أرشيف أل بي –بي- سي أ و"الجزيرة".
نحن نشفق على أطفال الروضة – شريطة ألاّ يكونوا من غزّة، وألاّ يكونوا ممَنْ قتلهم جيش الدفاع الإسرائيلي – ونشفق على الإسرائيليين، من أن يتعَرّضوا لصور مثيرة أكثر مما ينبغي. كصور أطفال ممَنْ قتلتهم إسرائيل – الجنود والطيّارون الأكثر أخلاقا في العالم - هذا أكثر مِمّا تتحمله نفس شفوقة.
وبعد مرور الرعب من الصور من سوريا، تطفو خاطرة، خفيّة وحقيرة: انظروا إليهم وانظروا إلينا. أنظروا مع مَن مُشْكِلتنا. أنظروا إلى العرب. هذه الذّريعة. أُعِدّت لترضي الضمير. تقلل من الخطيئة، هي جزء خَفيٌ من شطف الأدمغة.
في صيف 2014 حدثت في غزة فظاعة كالتي حدثت في سوريا. كانت هي أيضا "وصمةٌ على جبين الإنسانيّة". تضمنت مذبحة جماعية للمواطنين هناك، قٌتِل مئات من النساء والأطفال، والشيوخ والرجال الأبرياء. إسرائيل هي التي قامت بهذه المذبحة. إسرائيل هي المذنبة بها. ارتعب العالم كما ارتعب من مجزرة سوريا، اتهمنا العالم المفزوع باللاساميّة. كل العالم شاهد غزة 2014. الإسرائيليون فقط لم يَرَوْها. ناموا، نامو، بضمير هادئ.