كعادتنا في حياتنا اليومية نشارك بين الحين والاخر في اللقاءات والمجالس الشعبية والاجتماعية وخلال هذه المجالس والدواوين التقليدية قد يكون المرء طرفا في جدل معين في موضوع معين , وقد تثار عدة آراء للنقاش والجدل بين الحاضرين , فهناك من يأخذ هذا النقاش وهذا الجدل مأخذ الجدية واخر يستهين ويجادل فقط من اجل الجدل , ليس لغرض او لهدف او لغاية , وقد يكون ذلك من اجل " شوفوني يا ناس" لا يمت جدله بصلة الى الواقع او الى الموضوع , وتراه يعجعج كأنه يقيم الدنيا ويقعدها , او انه هو القائل والفاصل في مثل هذه الامور , وباستمرار هذا الجدل واتساع النقاش جملة بعد اخرى وفقرة بعد فقرة , ندرك جيدا انه خاويا في معانيه بعيدا عن الجدية وبعيدا عن الموضوعية , ولا ترتبط بحديثه اية رابطة بموضوع النقاش او الجدل , وسرعان ما ينكشف هذا المرء على حقيقته ويبرز جليا انه مجرد من كل جدية ومن كل مسؤولية, ذلك من خلال ما تفوه به, فالى امثاله نقول " لا هكذا تورد الابل " .
ومن ناحية اخرى ربما يشارك انسان اخر بجدل واقعي منسق , مرتب ومهذب لاظهار الحقيقة واضحة كالشمس , وليس لغاية شخصية انما لتبيان الحقيقة في موضوع الجدل , هذا المرء قد يكون في الاتجاه الصحيح ويكفي ان يدافع ويعدد ويفند الادلة لاثبات ودعم الحقيقة في سياق هذا الجدل , هذا امر لا بأس به في نوعية الجدل حيث انه قد يكون ايجابيا وفي الصالح العام .
وقد يشارك في جدل كهذا انسان آخر لا يرائي ولا يراوغ ويقول كلامه بجدية وباستقامة دون مواربة , يمقت الكذب ويكره التلون وغايته دحض الاكاذيب وابراز الامور كما هي دون تصنع , فتراه ملتزما بهذا النوع من الجدل ولن يتزحزح قيد انملة عن موقفه هذا , ليس لغاية خاصة او لهدف رخيص , وانما من اجل اظهار الامور كما هي ووضعها تماما في مكانها بشكل ثابت واكيد , ولا يكترث بالانتقادات الهامشية وغير الموضوعية , او بالملاحظات غير الصحيحة لمجرد الملاحظة , وتراه لا ينثني عن رأيه هذا مطلقا من نابع الاستقامة في الموقف والموضوعية في الجدل .
وربما يشهد الانسان في مجالس الجدل والنقاش اناسا انانيين , متعجرفين ومراوغين لا يرتكزوا في جدلهم على ركيزة اجتماعية او انسانية ثابتة , وانما يعتبرون دائما من خلال تصرفاتهم وطريقة جدلهم في مهب الريح , ويتكيفون حسب الظروف دون الاكتراث بالاستقامة وبالجدل الموضوعي والحقيقي , وهمهم الوحيد الربح المادي وفقط هذا الربح , اناس كهؤلاء هم حقا مرض خطير وداء اليم يترتب استئصاله من صفوف المجتمع وباقصى السرعة .
فالجدل الحقيقي والموضوعي يكون في نظري بعيدا كل البعد عن الانانية , عن العربدة والضجيج الخاوي , بعيدا عن المصالح الشخصية والاهداف الضيقة , بعيدا عن المراوغة , بعيدا عن الغايات الخبيثة , بعيدا عن الميول الخاصة , بعيدا عن الجدل من اجل الجدل , بعيدا عن التلون والنفاق , بعيدا عن الحط والتنكيل بالاخرين لغاية ما او لمكسب معين و بعيدا عن التهور والانزلاق .... الخ , لانه لا جدوى ولا صلاحة لا للمرء ولا للافراد ولا للاسر ولا للمجتمع في ذلك .
فالجدل الذي يدار بروح اخوية وبموضوعية واحترام متبادل , ويتناول الامور كما هي , ويكون نابعا من روح التعامل الصحيح والاخذ والعطاء من خلال اخذ ورد , تسوده روح المودة والاستقامة , جدل كهذا لا بد الا وسيؤدي الى نتيجة طيبة قد تنعكس تأثيراتها على المجتمعين بالذات بشكل خاص , ومنها الى مجالس اخرى قد يكون لها صدى انساني وايجابيا , قد يسهم فيما بعد في التحول نحو الايجاب وحث الاخرين في اتباع نهج موضوعي في كل مشكلة وفي كل جدل , مهما كانت الظروف ومهما كان حجم هذا الامر او ذاك , من اجل الصدق والاستقامة في الجدل وجعله جدلا مفيدا موضوعيا يسفر عن نتائج طيبة وبشكل صحيح وحقيقي , قد يستفيد منه افراد هذا المجتمع ويبعدهم عن الخصوصيات في الجدل ووضع النقاط على الحروف دون خوف او وجل وبكل حرية وديمقراطية لما فيه سلامة وصراحة وموضوعية الجدل في كل مجتمع وفي كل مكان وزمان .