تفكير جديد ..
ماذا يعني تفكير جديد ؟
قرأنا كثيراً حول هذا الطرح : ( تفكير جديد ) من مفكرين وفلاسفة ، ومن مثقفين وعاديين .. والمتمعن في الوعي العام في ذلك يجد ان هذا الطرح غدا على الألسنة العامة موضة ذهنية ،الكل يرتديها يتزين بها ولا يكاد يخلعها عن عقله، دون سبر صحيح ودون ربط واع بما هو قائم وسائد من فكر – سواء في مجتمعنا المحتاج للفكر الجديد ام في المجتمعات الأخرى التي جددت – لنتصور ان الفكر لباس واثواب ، وقد عتقت وهلهلت على صاحبها ، افلا يبدلها بثياب جديدة ؟ لكن المشكلة تكون عندما نقدس اثوابنا ( افكارنا ومعتقداتنا ) ولا نرى افضل واحق منها علينا، وهذا هو حال امتنا العربية والإسلامية بكل مذاهبها وطوائفها..
وقد نجد ان هناك من نادى وينادي بالتوفيق بين التراث والمعاصرة او الحداثة ، فهو كمن يريد ترقيع الثوب العتيق بقطع جديدة مستوردة ، فيكون ذلك تلفيقاً لا توفيقاً ، والفرق بين التوفيق والتلفيق ، هو ان التوفيق يكون بين مادتين يغلب عليهما التجانس والتقارب والتكافؤ ، كمزج لونين ملائمين لينتج منهما لون يحمل بصمة من كل منها واضحة وبارزة .. اما التلفيق فهو جمع بين مادتين متناقضتين كلياً او على الغالب ، كمحاولة الجمع بين حمار وبين تركتور في سكة فدان واحدة ، هو الجمع بين تراثنا العربي الاسلامي وحضارتهم الغربية ، لا يوجد تجانس ولا تكافؤ ..
طيب ما العمل ؟ هل نترك للزمن ان يسقط عنا تلك الاثواب حين تكون قد تلفت كلياً ..؟! وهل نصبح عراة كقبائل افريقيا البدائية وأدغال الأمزون .. ؟ معنى ذلك ان نكون بلا اية ملكية فكرية لا قديمة ولا جديدة ،ومعنى ذلك ان نصبح بلا عادات ولا تقاليد ولا دين .. هل تتصورون اننا اليوم نؤمن ايمان حقيقي بشيء حقيقي ؟ هل تظنون اننا نمارس عاداتنا وتقاليدنا التي مارسها آباؤنا واجدادنا ؟ فلينظر كل منا الى نفسه والى محيطه حتى يتأكد انه اصبح شبه عارٍ ويحاول التستر بظل اصبعه ، ويكفي ان يحمل وتحمل كل منا هذا (الشيطان) الصغير المسمى نقال وموبايل، دون الحديث عن كل ما نستهلك ونرتدي ونفكر فيه من نتاج غربي..
ونتحدث عن فكر جديد.. ربما تجاوزنا هذه المرحلة بصورة لا واعية وقد جرفتنا التيارات والأمواج وابتلعنا المحيط - الهادئ على فكرة – بلادنا يدمرها التراث وشعوبنا تشتتها المقدسات ونحن في غاية الهدوء والاستقرار والانسجام ..
ومعنى تفكير جديد وسط هذا الموت هو ولادة اخرى ن كولادة المسيح من القبر ، لكن لا كأسطورة ، اذ المسيح هو ليس شخصا فريدا خالصا وحصرياً كما تخدر العقل المؤمن في ذلك ، بل هو كل فرد يحمل فيه روح ، وروحك هي من ذات المصدر ، "ونفخت فيه من روحي" (القرآن ) ولا بد من ترك النصوص والتأويلات المعروفة في سبيل الكشف الحي عن الروح الحاضر ، فلا يمكن السعي بالمهمتين في آن ، اي ان نرجع للنصوص لفهم ذاتنا بها، وان نختبر هذا الذات بوعي مباشر ..ويمكننا ان نلاحظ وجود رموز كشفية في مختلف الكتابات الدينية ، لكنها مطمورة على قلتها بكثير من مسائل وتوجهات عرضية لخدمت النواحي الاجتماعية والسياسية ..
الميلاد الجديد لكل منا هو ولادة النور بالكشف الذاتي المباشر عن الحقيقة ، وليس برفع المشاعل في الكنائس ، ولا هو ترديد صلوات وخطب ومواعظ في الجوامع .. وقد يبرز التساؤل هنا : وهل الغرب احتاج الى فهم ذاته بالتجربة الروحية التجاوزية حتى تطور وتقدم ..؟ واقول ربما لم تشمل تجربة الوعي التجاوزي في الغرب معظم الناس، لكن تحررهم من التراث الحرفي ، فتح لهم المجال لخوض اي تجربة على الاطلاق ، في حين لا يزال معظمنا يتعلق بحبال الغيب ولا يجرؤ حتى على مجرد الالتفات للمقدسات بريب وشك ، بينما الشك في ما نحن عليه هو المدخل للتفتيش عن الحقيقة وطلبها ، بغض الطرف عن نتائج البحث .. لكن لا يمكن للبحث ان يكون حرا وبالتالي مثمرا الا في فضاء يمنح الحق للانسان في ان يكفر ويلحد جهرا كما يسلم ويؤمن جهرا ، وفي هذا علاج للنفاق والتلون والكذب والضعف تحت امرة الحرف الديني المتسلط .. فكم ستدمرنا بعد معتقداتنا وغيبياتنا حتى نستيقظ ؟! أوليس لكل شيء طرفين ؟ ان معنى فرض الجانب (الايجابي ) فقط في المجتمع ، هو كقص احد جناحي طير وحثه للطيران ، وهذا مخالف لشرعة الاضداد في الطبيعة والحياة .
كميل فياض