من ديوان " أوراق سرّيّة لمواطن محكوم بالإعدام"
**1**
إليكم
كلّ أوراقي
إليكم
كلّ أوراقي
فلن أخشى بأن تُفضحْ
ولن أخشى بأن تُنشرْ
ولن أخشى بأن يُغرزْ
بعمق فؤادِيَ الخنجرْ
سأحكي كلّ ما عندي
وحبل الموت يخنقني
فليس رصاصكم نارًا
وليس الخوف يمنعني
سأحكي كلّ ما عندي
بصوت الحرفِ والكَلِمِ
سأحكي دونما خجلٍ
بلون الحبِّ والألمِ
بلون الرّيحِ والدّرّاقِ والألحانِ والنّغمِ
سأحكي ليتَ يسمعني
جميعُ الخلقِ والأممِ
سأحكي من سيمنعني
وبي الكلماتُ آهاتٌ
تثور بداخلي نارًا
فأقذفها
كما البركانُ للحممِ
سأحكيها
بلا خوفٍ.. بلا شكٍّ
بلا ندمِ..
سأحكيها
بإصرارٍ
وإيمانٍ
بما أوتيتُ من نورٍ
ومن بوحٍ
يفيض عليّ من قلمي
سأحكي عن مدينتنا
وعن عادات أمّتنا
وعن جهلٍ يدمّرنا
سأحكي كلّ ما عندي
عسى صوتي يحرّضكم
فنخرج من صديد الموتِ، من أعماق هوّتنا
سأحكي ما يضايقني
ويطعننا بأعيننا
وأسرد ما يفتّتنا
أغرّدُ كلْمتي طيرًا
يشقّ ستارَ ظُلمتِنا
وينثرُ بوْحَهُ ضوءًا
ليُنهيها
عن الإنسانِ غربتَنا.
**2**
أنا يا ناسُ إنسانٌ
أحبُّ مذاقَ أيّامي
وما فيها من الأملِ
ومن مُرٍّ
حنى هامي
عشقتُ خلائقَ الأرضِ
عشقتُ الموجَ في البحرِ
عشقتُ النّجمَ والسُّحبا
وما يأتي
مع الأيّام من فرحٍ
ومن ألمٍ إذا تمضي
***
أنا يا ناس إنسانٌ
أحبُّ الشّمسَ تكويني
أحبُّ شذى حديقتنا
فبوح الوردِ تكويني
أحبّ بشاشة الوجهِ
وطفلًا باسمًا يلعبْ
بظلّ اللّوز والتّينِ
وأعشق ساعة الصّبحِ
وتغريدًا لحسّونِ
أحبُّ أنا جميعَ النّاسْ
ولا أخشى إذا رغبوا
بأمرٍ ليس يعنيني
ولا أخشى إذا كانوا
بلونٍ ليس يشبهني
ودِين ٍلا كما ديني.
**3**
بقريتنا أرى رجلًا
قديمًا كان يعرفنا
يُصادِقُنا
يُصَدِّقُنا
ويضحك إذ يلاقينا
نحاكيه فيسمعنا
ونسمعه يحاكينا
أراه اليومَ قد أرخى
على الذّقنِ
على الخدّين لحيتَهُ
وصارت تحجبُ البسماتِ
إذ يلقى أحبّتَهُ
يمرُّ بجانبي عَجِلًا
عَبوسًا لستُ أعرفُهُ
أهذا أمرُ دينكمُ
ومبغاه ومطلبهُ؟
أليس الدّين أن نرضى لإخوتنا
كما نرضى لأنفسنا؟
وأن تسلمْ
نفوسٌ من أيادينا وألسُنِنا؟
نردُّ تحيّةً قيلت
بأفضل ما تَمكّنّا؟
أليست بسمةُ الإنسانِ للإنسان رايتَنا؟
أليس الجوهرُ الأصلَ
وليس المظهرُ الخدّاعُ غايتَنا؟
أليست غاية الدّينِ
بأن نرقى بأمّتنا؟
نسامحُ حين نقتدرُ
ونعتذرُ
إذا ما نحن أخطأنا؟
نسيم عاطف الأسدي