لا معنى للفناء في( المطلق ) يتخطى تحقيق نهاية الالم الانساني ، حيث ان نهاية الالم هنا هي نهاية الوجود الانساني نفسه ، واي معنى يكون لمثل هذا الخلاص الابدي..؟!

المعنى للوجود وللخلاص على السواء اذن يتحقق فقط عبر الحياة الواقعية العادية والمتطورة ، عبر الفكر والأدب والفلسفة والفن والدين والعلم ، وعبر مختلف العلاقات والنشاطات الطبيعية والاجتماعية ، يتحقق عبر صغائر الاشياء والتصرفات التي لا نعيرها اهمية عادة .. كاحتساء القهوة وغسل الاطباق وكنس المصطبة .. كالاستماع لنشرة الاخبار ومقارعة الزوجة والاولاد ، وكالنشر على الفيسبوك الخ الخ .. ليس معنى الحياة فقط في البحث عن الحقائق الكبرى للوجود والانشغال بها ..

لكن بما ان وجودنا الفردي الزمني هو آني قصير المدة، وهو خاضع لقوانين الطبيعة الموضوعية ، ولا ارادة لنا في تحديده وتوجيهه نوعيا، فان ذلك يجعل من تلك الصغائر صغائراً وفقط ، ولا ادري ان كان صراعنا الحسي ضد الزمن وضد الشيخوخة والعجز والموت ،ليس صراعا عبثيا ايضاً؟! .. ولعل هناك من يعلق املاً على التطور العلمي ويعتقد انه يخبيء مستقبلا واعدا يتمثل في اكتشاف اكسير الخلود على المستوى البيلوجي .. لكن لو فرضا تحقق الخلود للانسان على الارض، الا يحتمل ان يكون غير محتملا بل كارثيا ..!

ويتم الانتباه الى الحركة العفوية للشعور ، الى ذلك الرضا الطبيعي لما هو موجود وسائد ،ويتجلى هذا الدفق العفوي الساكن البسيط في حياة مليارات الكائنات التي لا تفكر لا تقيم لا تنتقد لا تقلق ولا تعمل حساب الا للحظة الملحة ، وهذا الحال ينسحب على عدد ليس بقليل من البشر ..

كافراد القبائل البدائية ،وكالفلاحين والعمال البسطاء الذين لا تتخطى افكارهم طلب العيش .. لدينا اذن نموذج للعبور في هذه الحياة المؤقتة ،دون صراع وليكن ما يكن .. المشكلة في التوتر نفسه وفي الطموح لغير الممكن..

وهنا تبرز تلك الحالة البارقة في التجربة الوجودية الصوفية .. فما تفسير تلك اللمحة التي تملأ الكيان بالنشوة والسعادة ،رغم انها قرينة الغياب عن العقل ، بل هي كذلك بسبب التوقف عن التعقل والفهم ..

وهنا يمكن للانسان ان يصل الى ان الاشكال حول اي مسألة او حالة او هدف يعاني بسببه الانسان ،هو العقل نفسه ، هذا العقل الذي ينظم حياته ويطور ظروفه ويحرك فيه المظهر الى غير الموجود ..