رسالة سليم إبراهيم بولس الكفرساوي من أجل العمل من العام ١٩٣٤
ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
في ما يلي أنشر رسالة نادرة للسيد المرحوم سليم إبراهيم بولس (١٨٨٢-١٩٦٨)، على ما يبدو، أوّل مدقّق حسابات في بلدة كفرياسيف الجليلية. تخرّج سليم من دار المعلّمين الروسية في الناصرة، الكائنة آنذاك في مبنى غربي المسكوبية في مكان حمل الاسم عراق أبو حَمَد. هذه الدار معروفة أيضًا باسم ”السيمينار للشباب“ وأُسست عام ١٨٨٦ ودامت حتى العام ١٩١٤، وكانت تستقطب خيرة الطلاب في المنطقة. اشتمل برنامج التدريس على اللغتين العربية والروسية واللاهوت والحساب والجغرافية والخطّ العربي والرسم والموسيقى. كان المدرِّسون من الروس باستثناء معلمي العربية مثل جبران فوتية، قسطندي قنازع، جورج خميس، عزيز حبيب، حبيب خوري، يوسف خليل، أنطون بلان، جبران كتيلة، وعدد الطلاب كان قليلا نسبيا. (أنظر: حنا أبو حنّا، دار المعلمين الروسية في الناصرة ”السمنار“ (١٨٨٦-١٩١٤) وأثرها عى النهضة الأدبية في فلسطين. الناصرة: دار الثقافة العربية في وزارة المعارف والثقافة). من الكفارسة الذين درسوا في السيمينار بالإضافة لسليم إبراهيم بولس، يمكن التنويه بالآتية أسماؤهم: نعيم شحادة مخولي، يني يني، ليا الحاج يني، نجيب خوري، بولس جبران بولس، طعمة إلياس عودة، جرمس سعيد، حنا سمارة، ميخائيل عبدالله خوري. لا أدري متى تخرّج السيّد سليم إبراهيم بولس بالضبط. بعد تخرّجه أُرسل في بعثة لمواصلة التعليم في روسيا في جامعة بولتافا الواقعة في وسط أوكرانيا. إنّه درّس خمس سنوات في بعض المدن السورية واللبنانية، اشتغل في مسك الدفاتر في البرازيل وروسيا وسورية مدّة ربع قرن تقريبا. كما نال أربع جوائز ذهبية تقديرًا لعمله. ألّف كتابًا بعنوان ”عروس المؤلَّفات في قيد الحسابات“ إلا أنّه، كما يظهر، لم يصدر، وعلى المهتّمين بالموضوع البحث عن مخلّفات المؤلِّف لدى عائلته. عاد السيّد سليم إبراهيم بولس من البرازيل إلى البلاد عام ١٩٣٠. غادر سليم فلسطين طلبًا للرزق، ثم عاد إليها وواجه مشكلة في إيجاد عمل له، لدرجة أنّه فكّر في الانتحار.
نسخة مصورّة لهذه الرسالة المثبتة أدناه نُشرت في الكتاب: رفائيل بولس بولس، كفرياسيف بين أصالة الماضي وروعة الحاضر. طبعة ثانية جديدة مُنقحة ومزيدة، أيار ٢٠١٢. كفرياسيف: طبع في تخنوجراف، وجدي حمزة، 4828369-050، ص. ٢٩٩. وُضعت هذه النسخة المصوّرة بدون أية إيضاحات بعد بعض الصور باللونين الأسود والأبيض لأماكن وشخصيات كفرساوية (وفي ملحوظة هامشية في الصفحة ٢٦٢ أُشير إلى هذه الرسالة ولكن بدون ذكر الصفحة وهي ٢٩٩)، وعلى الصفحة المقابلة شهادة بالعربية والروسية بدايتها العربية:
شهادة
”الجمعيّة الامبراطوريّة الارثودكسيّة الفلسطينيّة / إنّ ينّي قسطندي الرومي من قرية كفرياسيف قد أنهى / في مدرسة المعلمين (السيمينار) بالناصرة الدروس العلميّة / في المدّة القانونيّة (اربع سنين) الدروس العمليّة في / مدّة السنتين المعيّنتين ممارسًا فيهما التعليم في المدرسة / الانموذجية اليوميّة واستحق وظيفة معلّم في المدارس / الابتدائية للجمعيّة الامبراطوريّة الارثوذكسيّة الفلسطينيّة / واشعارًا بذلك قد أُعطي هذه الشهادة / عن بطرسبرج ٢٥ أيلول شرقي ١٩١٢ ...“
أي أن المرحوم ينّي ينّي كان ابن ١٧ عاما عند تخرّجه، وشغل منصب رئيس المجلس المحلي في كفرياسيف من ١٩٣٤ وحتى وفاته سنة ١٩٦٢.
وها هي رسالة السيّد سليم إبراهيم بولس، وهي بمثابة طلب عمل في طولكرم، توجّه بها إلى مفتّش زراعة اللواء الشمالي ولا ذكر لاسمه. الخط المائل / يدلّ على نهاية سطر وبداية السطر التالي. اللغة سليمة بل وفصيحة إذا ما قورنت مثلا بلغة محاضر جلسات المجلس الملّي الأرثوذكسي، التي بحثتها في مقالة ضافية سابقة (حسيب شحادة، شذرات من مخطوط لجمعية مسيحية في كفرياسيف عملت قبل قرن ونيّف، نشرت أولًا عام ٢٠٠٧ وأعيد نشرها في عدّة مواقع إلكترونية في العام ٢٠١٦). لا عجب في ذلك، فكاتب الرسالة خرّيج السيمينار النصراوي حميد السمعة الذي أُسس بتاريخ ٢١ أيار عام ١٨٨٢. مع هذا وردت في هذه الرسالة القصيرة، التي لن يقرأها في تقديري إلا القلائل جدّا، لأنّها تتطلّب صبرًا ودراية لفكّ مغالقها، بعض الأخطاء والسمات اللغوية الآتية: في هذه الرسالة التي تضمّ مائتين وأربعًا وسبعين كلمة وضعت نقطتان فقط. بخصوص الحركات، وضع تنوين الفتح بصورة صحيحة فوق الحرف السابق للألف، وضعت الهمزة في بعض الكلمات وأهملت في معظمها. من الاستعمالات غير الشائعة اليوم في تقديري: عالي احترامي؛ كريم ذاتكم/جوابكم؛ إعاشة بدلا من إعالة؛ صدّعت خاطركم (قد يكون المقصود: أشغلتك، أتعبتك إلخ.)؛ السقوط الأدبي؛ عاجل رحمتكم. وقع خطآن لغويان، الواحد نحوي وهو ”الجوائز الاربعة“، والآخر صرفي وهو ”دعيته“ بدلا من ”دعوته“. كما حذفت واو الفصل في ”تفضلو، ارحمو، ترحمو“ ووردت لفظة ”والبنوكة“ العامية بدلا من ”البنوك“. وهناك في كتاب رفائيل بولس المذكور طرفة باسم سليم إبراهيم بولس في ص. ٣٨١ وتقول: ”كم ولد عندك: إشتهر المرحوم العم سليم إبراهيم بولس بحبه للحساب وقد تعلم ما يُدعى مسك الدفاتر ”مدقق حسابات“ وفي يوم من الأيام مرّ به أحد سكان كفرياسيف فأراد المرحوم سليم أن يختبر مدى ذكائه أو مدى حماقته فسأله: كم ولد عندك؟ أجابه: عندي فلان وفلان وفلان (مسمّيًا جميع أولاده). فقال له سليم: يخرب بيتك ما أتيسك أنا بسألك كم ولد عندك بتسمّيلي إياهن لازم تقول عندي خمسة أو ستّة أو سبعة“.
”سيدي ومولاي مفتش زراعة اللواء الشمالي الاكرم
بعد رفع عالي احترامي لكريم ذاتكم اتشرف فاقول: / ان ابواب الرزق في وطني فلسطين كانت ولا تزال ضيّقة في وجهي الامر الذي / اضطرني فيما مضى الى الهجرة فبعد انهائي دار المعلمين الروسية في الناصرة / وتدريسي في بعض مدن سورية ولبنان خمس سنوات قصدت البرازيل / وروسيا وسورية حيث تعاطيت مهنة مسك الحسابات في البيوت التجارية / والشركات والمعامل والبنوكة ودفاتر الحكومة طيلة ربع قرن ونيف فقمت حيث / كنت احسن قيام بواجباتي ونلت الجوائز الاربعة الذهبية مكافأة لخدمتي كما / والشهادات القانونية الناطقة بجدارتي واهليتي وفضلًا عن هذا فقد الّفت / في مهنتي كتابًا دعيته بحق - عروس المؤلفات في قيد الحسابات- وبعون الله تمكنت / كل الوقت من اعاشة نفسي ومن تأدية واجب (في الأصل نقطة الجيم ساقطة) المساعدة للأهل. غير ان الظروف / ابت إلّا معاكستي اذ عادت فسدّت ابواب الرزق في وجهي منذ يوم عودتي من / البرازيل عام ١٩٣٠ وذلك لجهلي الانكليزية فاصبحت في اشد الضيق بدأ في البطالة / واخذت نفسي تحدثني بالانتحار هربًا من السقوط الادبي وتخلصًا من حاجة تجرّ / الى العيوب حتى انني صرت ارى الموت افضل جدا من ارتكاب عيب تقز منه / نفسي ومع ذلك فلا اقدم عليه لقوة ايماني برحمة الخالق فعسى توافيني هذه / الرحمة بواسطتكم لا سيما بعد ان جئت مستغيثًا بعطفكم ومذكرا حنوكم / بالآية الذهبية ”إرحمو في الارض تُرحمو في السماء [الحديث النبوي: الراحمون يرحمهُمُ الرحمن، ارحموا أهلَ الأرض يرحمْكم من في السماء، في سنن الترمذي وأبي داود؛ أُنظر: شروح الحديث، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي بن سلطان محمد القاري، ٢٠٠٢، مسألة رقم ٤٩٦٩] ولما كان معهد طولكرم / معهد خير وبرّ لذلك تجاسرت فصدّعت خاطركم باستدعائي هذا / سائلًا ان تضيفوا الى سابق رحماتكم رحمة جديدة هي قبولي مُدَرّسًا / لفن مسك الحسابات في المعهد المذكور فإن اجبتم سؤلي محتم (؟) نلتم الاجر / والثواب من الله والشكر مني لانقاذكم روحًا يهدّدها الموت. هذا واني / لمنتظر عاجلَ رحمتكم وكريمَ جوابكم وفي الختام تفضّلو (هكذا في الأصل) بقبول / احترام خادمكم وشكر ملتمس مساعدتكم /
سليم ابرهيم بولس من كفرياسيف في ٩ تموز ٣٤“