الناس باشكالهم , باحجامهم بطولهم وبعرضهم , بتطلعاتهم وتأملاتهم وبصفاتهم وهواياتهم المتنوعة والمتعددة , يختلفون في نوعية هذه الصفات , وفي مدى تواجدها , وكذلك في تأثيرها على نفسية كل واحد وواحد , ومن بينها الكثير الكثير من المتناقضات والمتقاربات والمتشابهات , منها ما يلتقي في اطار معين , او في مناسبة او حالة معينة او ظرف خاص , ومنها لا يمكن له ان يلتقي مهما كانت الظروف ومهما تبدلت الاحوال وتغيرت الازمان .
ففي صفوف المجتمع الانساني اناس كثيرون ولدوا بمزايا وسمات خلاقة منذ الصغر , ومنهم من اكتسبها عن طريق التربية , عن طريق التهذيب من الاهل او من الاصدقاء والاقارب او من المحيط , او تأثروا بها , فان كانت ايجابية قادتهم الى الطريق القويم , وان كانت سلبية ربما تقودهم الى الهلاك او الى الزوال في كثير من الاحيان .
فمن نما وترعرع على حب الله والتدين والايمان الصادق بوحدانية الخالق عز وجل , لا يمكنه ان ينثني عن هذا السراط مهما تعرض الى نزوات ومغريات, فانه لا ولن يحيد عن هذا الطريق القويم ويتبع طريق المعاصي التي تعتبر من اولها الى اخرها اشواك واشواك واشواك , ونوعية هذه الاشواك تختلف من رجل الى اخر , ومن وقت الى اخر , ولكن مهما كان هذا التنوع فالنتيجة واحدة , ولا يمكن ولا في اي حال من الاحوال ان يلتقي حب الله وحب المعاصي معا , وينبغي الفصل بينهما وبكل استقامة وحكمة .
ومن نشأ وتربى على حب التضحية والعطاء من اجل الحياة الافضل , من اجل مساعدة الغير واغاثة كل من يستحق ذلك , او من طلب المعونة , فالتضحية بدون شك لها انواعها العديدة والمتفاوته اما دينية او ثقافية او انسانية وغيرها .
فلا يمكن لحب التضحية بشتى اشكاله ان يلتقي مع حب المال , لان حب المال ان كان محصورا فقط في جمعه وتكديسه وحراسته , فلا يمكن ان يكون تجانسا بين الاثنين مطلقا .
والذي يعرف الحق على اصوله وعلى قواعده الاساسية دون مواربة ودونما تأثر بهذا وذاك ,
لا يمكنه ابدا ان يحيد عن هذا الطريق الصواب , ولا يمكن لهذا المرء ايضا ان يقرن حبه للحق وللاستقامة وللصحيح بالقيادة على مختلف اشكالها وظروفها , لانه يصعب على المرئ ان يوفق بين الامرين في معظم الاحيان .
وكثيرون يولدون منذ يومهم الاول ومغروس في نفوسهم حب العدل والانصاف , ويكبرون وينهجون هذا النهج دون مواربة , ويطبقون ذلك في محيطهم وربما في حياتهم العملية من خلال مناصبهم , او من خلال لمسؤلياتهم على اختلاف انواعها .
ولكن مهما يتسم هذا المرء بالعدل والانصاف , ومهما تكون لديه روح من التسامح والبر والعفو عند المقدرة , لا يمكنه ابدا ولا بأي شكل من الاشكال ان يوفق نهجه هذا بحب الاستبداد, فمن تكون صفاته كما اسلفت لا يمكنه مطلقا ان يكون مستبدا , وان الاثنين لا يمكنهما السير معااو يكونا في شخص واحد لانهما يختلفان من حيث المعنى ومن حيث المضمون كثيرا .
وهنالك ايضا من يؤمن بالكد وبالجد وبالعمل الدؤوب والمتواصل ولا يحسب حسابا للوقت ولا يكل ابدا , يواصل عمله في شتى المجالات دونما انقطاع , ويحافظ دائما على نهج معين يبعد عنه التعب ولا يشعر به ليس لعظمته ولقوته وانما لحنكته في الحياه وتفهمه لمعناه , ويعمل دون ملل او كلل لتذليل الصعوبات التي قد تعترض حياته وعمله اينما كان وكيفما كان , اناس من هذا القبيل ممن يقضون جل وقتهم في الجد والاجتهاد لا يعرفون نوعا من الراحة ابدا , الراحة الصحيحة وليست الراحة بمعنى الكسل , لان هذين الامرين لا يمكنهما ان يلتقيا مطلقا فمن تعود على الراحة وعلى الدلال وعلى الهوينة في كل عمل , لا يمكنه ان يحاول ان يتعب في حياته ولا لاي امر كان حتى ولو كان ذلك لنفسه هو .
واخيرا لا بد لي ان انوه هنا الى امرين وهما : حب الخير وحب الشر , فالمجتمع يزخر بالخيرين اصحاب النخوة الصادقة لعمل الخير , ولا يدعون فرصة تفوتهم الا وقدموا ما استطاعوا من الخير في مجالات عدة , وبموجب امكانياتهم وقدراتهم ذلك من باب حب الخير بصدق وايمان واستقامة , هؤلاء محبو الخير لا يمكن ان يقترن بهم ولا باي صورة من الصور حب الشر , لانه شتان ما بين الثرى والثريا , وشتان ما بين هذا الصنف من الرجال والصنف الاخر , فللخير اولياء صادقون , اناس يتسمون باسمى السمات والصفات الانسانية من دروب حياتنا المتنوعة , وعكسهم ممن يتميزون بالصفات الشريرة ومبدؤهم في حياتهم لا يمكن ان يفارق درب الشر بشتى انواعه وصوره .
وخلاصة القول ايها الانسان ايا كنت وايا كان جيلك واينما كنت , اتبع حب الله وابتعد عن المعاصي , اسلك طريق التضحية والحق والعدل والتعب والخير لانه في ذلك صلاح مؤكد للافراد وللجماعات وللمجتمع بمعظمه .