ما هو الكلام المفيد ..؟

نحن في دواوينا الرسمية العامة ، اذ نتحدث بلغة موحدة ونظهر بزي موحد انما نخفي الكثير من المخالف للمآلف ، ومن ذلك ما هو شرعي وما هو غير شرعي ،اي ما يقبله الاجماع وما لا يقبله .. وليس بالضرورة ان يكون ذلك المخفي انحرافا سلبيا ،بل يكفي ان يكون فكرا مختلفا ، وقد يكون هذا الفكر اكثر صوابا وصحة من الشرعي السائد والمهيمن ...

اقول : ان الكلام الذي يظهر ويفرض هيبته في مجتمعاتنا وفي مناسباتنا المحزنة والسارة هو كلام عموما جميل، منتقى ، ولكن غير مفيد على الغالب ، لا لأنه سلبي في ذاته ،بل لأنه غير واقعي لا يلتقي معنا خارج الديوان والمناسبة .. والمفيد من الكلام هو الذي يعبر عنا ليس فقط في الصالونات الوثيرة وفي القاعات الفارهة ، بل في الاساس في الغرف الخاصة في الازقة وفي الشوار ع والحقول وخارج البلد ..

عموما ان التوافق والاجماع على رأي واحد وموقف واحد قد يبدو ايجابيا وبكل الاحوال ، بينما كثيرا ما يكون انتحارا جماعيا ..

خلاصة : ان سبب الازدواج في حياتنا النفسية والفكرية هو القبول غير المشروط ( للكولكتيف ) اي للرأي الجماعي السائد المحصن بعقيدة مقدسة ،حيث كل من يصرح بما يخالف او يختلف يكون قد خرج على المقدس وعلى اتباعه ..

فاذا نظرنا للاعتبار والفهم الى المجتمعات الاخرى - الغربية عموما - نجد ان الكلام المفيد لديهم هو الكلام البراغماتي اي المثمر شيء عملي ومعنى واقعي ، يخدم الواقع فعلا ، اي بمعنى آخر هو الكلام الصادق ، والصادق يعني بالضرورة العلمي الجدلي الذي يأخذ بعين الاعتبار مختلف النواحي الحياتية والطبيعية ، ولا يقتصر على بعض جوانب ،كما هو الواقع في مجتمعاتنا الجمعانية ..

وهنا ايضا يكمن سر تطور المجتمعات الغربية ،من حيث بروز المساحة الكبيرة للحريات الفردية والشخصية ، التي تمكن من الاختلاف ، اي من الصدق مع الذات .. ومع هذا الصدق يبرز التطلع الى الجديد والتجدد والابداع والخلق ..

وهذا هو الكلام المفيد ..

غير ان هناك امور اخرى يجب توضيحها ،نتقبلها عموما بما نفهم ببداهة وتسليم حسب ما وضع في اذهاننا من نماذج تقليدية .. مثلا كثيرون يفهمون من كلمة (ابداع وخلق ) صواريخ وطائرات وما الى ذلك ، ويفهمون من كلمة (تجديد ) خلع ملابس وتبديل أزياء وطقوم مقاعد ، مركبات الخ ..

ورغم ان بعض ما ذكر هنا لا شك يدخل في ما يعتبر ابداع وخلق وتجديد ، الا ان كثيرا من ذلك يأتي تحت بند الضرورة والواقعية ،لا باعتباره هدفا في ذاته .. فالابداع والخلق والتجديد امور تخضع لمفاهيم مختلفة وتدخل في مجالات مختلفة .. واروعها ما يتجاوز كل المفاهيم حيث الابداع جزء لا يتجزأ من المبدع الكوني ، والتجديد هو في الكشف الدائم عن ما لا يتقادم ولا يقبل الفساد ..

خلاصة الكلام المفيد ..

كميل فياض