قد يولد المرء في هذا الكون لأبوين طالما انتظرا قدومه وهؤلاء الابوين (ألأهل) يكوّنان جزءاً من ألأسرة المحيطة بهما، ويشكّلان عنصرين من عناصر هذه الاسرة وربما يشكّلان ايضاً محوراً معيناً في المحيط الّلذين يعيشان فيه، ان كان ذلك من الناحية الاجتماعية ، الثقافية وربما العلمية، هذا المحيط يشمل ايضاً مجموعة من الاخوة والاخوات والاهل والاقارب على اختلاف درجات القرابة الاولى والثانية والثالثة وربما ابعد من ذلك كالجيران والمعارف.
وهذا المرء الذي يولد لهذين الابوين تكون له التزامات منذ نعومة اظفاره لأهله الذين كانوا سبباً في دخوله خضم هذا العالم، ليلعب ويتعب ويشقى ويبني حياته في صفوف هذا المجتمع القريبة منه والبعيدة كي يصبح عنصراً فعّالاً في اسرته أولاً وفي محيطه ثانياً وفي مجتمعة ثالثاً، وقد يكون الامر عكس ذلك ايضاً.
فالمرء ايّاً كان هذا المرء هو انسان ومخلوق يعي ويدرك ويقيّم، يفكر ويقرر في نهاية المطاف ما يريد اتخاذ قرار به، وخلال هذه الظروف عليه ان يحكّم ضميره فيما يعمل وفيما يقول وعلى الاقل يعرف ان الحقيقة مهما اختفت وغابت، لا يمكن الهروب منها، وقد يلجأ هذا المرء في بعض الاحيان الى الهروب من الواقع، الهروب من الحقيقة، الهروب من المصير ومن أي وضع قد يلجأ اليه، أو قد يقوده ألآخرون اليه اما برضاه أو بغير رضاه، وتراه يواجه الامر منفصلاً من المسؤولية وهارباً منها، وقد يعزو الامر الى الآخرين.
وفي بعض الاحيان قد يتملّص المرء من الامر الواقع ويقرر بالفرار اي الهروب من امر كان هو قد تسبب به ومهما كلّفه الثمن يخطط طريق الهروب ، نعم الهروب لغرض في نفسه لا يعرفه سواه.
وكذلك يمكن للمرء ان يحاول ويحاول الهروب من عدة امور مرةً خوفاً من الاهل ألأب والام وربما الاخ أو الاخت ومن الزوجة في بعض الاحيان، وتراه ايضاً يقسم بالغالي والنفيس انّ لا علاقة له بالامر الذي هو بصدده، ويؤكد قوله ورفضه للامر متخذاً بذلك نهجه المعروف بالهروب، ولا شك ان الاب أو الام أو الاخوة والاخوات والاقارب قد يحتارون جميعاً في أمره، يصدّقون أو لا يصدّقون ذلك رغم انهم جميعاً ايضاً يشكّون في الامر ويكادون لا يصدقون الاقوال، ذلك يسند الى تهربه هو من الامور ومن المواجهات الصحيحة التي قد تضع حداً لتصرفات هذا المرء وسواه من الناس.
وقد يعبث هذا المرء وسواه ايضاً بضمائر الناس وبتصرفات لا تليق بالآدميين ، وتراه ايضاً يتهرب كالعادة ويجرؤ ايضاً على الصلابة وتكذيب الامور كأنه لا يعلم بها مطلقاً ، وقديكون هو هو صاحب البدعة او الخدعة او الكذبة التي حاكها من نسج خياله.
وكثيرة هي الاحداث التي تشيرعلى تصرفات هذا وذاك من الناس، ومحاولة الهروب منها، فالى هؤلاء يترتب القول صراحةً : مهما تهرّب المرء من الاب ومن الام ومن الاقارب ومن الناس ، ومهما سلك سلوكاً منافياً للمسؤولية ، ومنافياً للاخلاق وللثقافة الانسانية وللتعامل الصحيح ، فالهروب يمكن ان يكون من كل هؤلاء ، نعم من كل هؤلاء، اما الهروب من النفس فهذا أمر مستحيل، ومستحيل جداً، فلابد لهذا المرء او ذاك ان يواجه نفسه يوماً من الايام، وعندها لا يمكنه الهروب منها ابد الدهر، وعليه لا بد من أخذ زمام الامور على عاتقه والقيام بها كما يجب ولو مع نفسه على الاقل، لأن النفس الحيّة يمكنها أن تنهي صاحبها واعادته الى الطريق القويم مهما جنح ومهما انحرف في تصرفاته وفي نهج حياته.