دمقرطة القدس راضي كريني
لم تكن القدس قبل احتلالها في حرب حزيران 1967، مدينة مميّزة ومفضّلة، ومنتعشة سياسيّاً واقتصاديّا وثقافيًّا، عن باقي المدن الأردنيّة، إلّا في الناحية الدينيّة. لم يلتفت للقدس الحكّأم العرب ولا حكوماتهم قبل وبعد الاحتلال إلى أنّها ذات أهميّة اقتصاديّة وسياسيّة، وعاصمة دولة فلسطين العتيدة. لم يبذل المستثمرون العرب جهدا في القدس، ولم يشجّعوا غيرهم على الاستثمار الاقتصاديّ فيها. لذا؛ أصبحت القدس مدينة مهملة بعد الاحتلال، ولقمة سائغة بين فكّي الاستيطان، وأصبح تطوّرها ووجودها و...ومعالمها وكلّ محتوياتها خاضعة لمتطلّبات الاستيطان والاحتلال؛ فعمل مبضع الاحتلال في البشر والشجر والحجر، في السكّان والأراضي والمعالم الدينيّة والتاريخيّة ... هجّر الاحتلال العديد من العائلات والقيادات المقدسيّة إلى خارج القدس، ومنع الآلاف من سكّان القدس الفلسطينيّين العرب العودة إليها، وحرم الأحياء العربيّة، المكتظّة بالبناء والسكّان، والبائسة و... من البناء التحتيّ العصريّ، وجعل سقف بنائها الفوقيّ الحكم العسكريّ والأمنيّ فقط، ونقَل آلاف المستوطنين والمتديّنين إلى داخلها وفي أحشائها للتوسّع، و... ولنشر الجهل والفقر والجريمة والمخدّرات والسموم.
بعد أن احتلّت إسرائيل القدس، وبعد أن اتّخذ البرلمان الإسرائيليّ (الكنيست) قرارا بضمّها دستوريّا في 31 تمّوز/يوليو 1980، واعتبرتها حكومات إسرائيل جزءا لا يتجزّأ من أورشليم الكبرى، مخالِفة بذلك القرارات الدوليّة واتّفاقيّة جنيف الرابعة لسنة 1949، لم نر تحرّكا عربيّا لاستردادها، ولإطلاق سراحها، ولتحريرها؛ إلّا مِن خلال تأييد أغلبيّة المجتمع الدوليّ الذي لم يعترف بضمّ إسرائيل للقدس وبأنّها جزء من العاصمة. لذا؛ فإنّ غالبيّة السفارات والقنصليّات تقع في مدينة تل- أبيب وضواحيها، وبالتالي بعد أن أغلقت إسرائيل "بيت الشرق" الفلسطينيّ في القدس سنة 2001، نظر العرب إلى القدس مِن خلال مبادرة السلام العربيّة، سنة 2002، على أنّها منطقة مُتنازَع عليها، ودعوا لحلّ قضيّتها من خلال حلّ قضيّة فلسطين العامّة، عن طريق المفاوضات السلميّة بين إسرائيل والفلسطينيّين.
أتساءل إذا كانت البوّابات الإلكترونيّة والكاميرات التي وضعها الاحتلال على أحد مداخل الحرم القدسيّ الشريف حرّكت هذا الكمّ من الشارع العربيّ؛ فلماذا لم يتحرّك جزء بسيط من هذا الكمّ لوجود الجنود الإسرائيليّىن على كافّة مداخل القدس والحرم؟ هل البوّابة الإلكترونيّة رمز للاحتلال، والجنديّ من المعالم الأثريّة؟ لماذا لم يتحرّك جزء بسيط من هذا الكمّ للمطالبة بنقل الإدارات الحكوميّة الإسرائيليّة من القدس إلى اورشليم، أم إنّ بنايات المحكمة المركزيّة، والجامعة العبريّة، ومستشفى هداسا، ومركز الشرطة العام، وحرس الحدود، ومكاتب الوزارات المختلفة، و... هي على درجة احتلال أقلّ من البوّابة الإلكترونيّة؟ لماذا لم يتحرّك جزء بسيط من هذا الكمّ الكبير ضدّ آفات العنف والجريمة وانتشار فوضى السلاح والمخدّرات والسموم في أحياء القدس وضواحيها الباقية ، أم إنّ هذه الآفات لا تصيب المقدسيّين والمقدسيّات في صميمهم، ولا تفسد حيواتهم؟
في القدس، تمّ ويجري تدمير أحياء فلسطينيّة كاملة عن بكرة أبيها، وتمّت وتجري مصادرة ونهب معظم أراضيها وما عليها وما في أحشائها، وتمّ ويجري بناء أحياء يهوديّة على الأراضي العربيّة والوقفيّة، وممنوع على العرب المقدسيّين السكن فيها والاقتراب منها!
لماذا تُرك المقدسيّون بدون حياة دمقراطيّة؟ إذا لم يمارسوا الحياة الدمقراطيّة، لا يَنتخبوا ولا يُنتخبوا، ونسوا التنظيم الثوريّ؛ فأيّ حياة يعيشون؟!