صمّم الرجل أن يجد حلَّا جديدا سحريًّا للقضيّة الفلسطينيّة، جلس على مكتبه أمام الكمبيوتر والمراجع من صحف وكتب ومجلّات و... ومدوّنات وقصاصات ورق مليئة بالملاحظات و... وأخذ يرسم رسوما بيانيّة، وخرائط جغرافيّة، وطرقا، وطرائق، و...، ويكتب المعادلات والجداول ... اقترب ابنه الطفل منه، وعرض عليه المساعدة. ضحك الأب، وشرح له أنّ القضيّة معقّدة و... وإنّها قضيّة للكبار فقط. ألحّ الطفل، وذكّر بأطفال الحجارة. انتزع الأب صفحة من مجلّة، مرسوم عليها خارطة الكرة الأرضيّة، بدون ألوان، ومزّقها إربًا، وأعطاها لابنه، وطلب منه أن يجمعها كشرط للمشاركة. فجمعها بسرعة. استغرب الأب، وسأل: كيف فعلت ذلك؟ أجاب الطفل: للصفحة وجهان، وكان على الوجه الآخر للصفحة صورة إنسان بالألوان؛ فاهتممت ببناء الإنسان!
في الأمس، في 8 آب، نشرت صحيفة "هآرتس" مقالا/بيانا لشاؤول أريئيلي عن فشل المشروع الاستيطانيّ الإسرائيليّ في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، في الضفّة الغربيّة والقدس. وكتب عن تحطّم المشروع على صخرة الواقع/الوجود الفلسطينيّ، رغم سياسة الحكومة الإسرائيليّة واستخدامها لوسائل الدعاية وأساليب التشجيع والتسهيل، و... بيّن انخفاض عدد الراغبين بالاستيطان، ففي سنة 2016 أصبحت نسبة الزيادة السكانيّة في مستوطنات الضفّة الغربيّة المحتلّة 3.4%، بينما كانت 3.9% في سنة 2015، وفي سنة 1997 كانت 10.3%. هذا مع العلم أنّ نسبة الولادة للمستوطنين في اضطراد، ويستنتج أريئيلي أنّ حلّ التقسيم "دولتان للشعبين" ما زال قائما، وأنّ المشكلة الديموغرافيّة لم تعد مضلّلة وذريعة للتبادل السكانيّ!
كذلك نُشر، في ذات اليوم، تقرير منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، وهي منظّمة حقوقيّة أمريكيّة، وجاء فيه: إنّ سياسة إسرائيل في مدينة القدس، تشكّل انتهاكا خطيرا للقانون الدوليّ ... وبيّن التقرير حجم سياسة التهويد الخطير، وهول سياسة تهجير وطرد الفلسطينيّين من بيوتهم ومدينتهم؛ لتحويلها إلى مدينة يهوديّة.
وأشارت المنظمة، استنادا لمعطيات وزارة الداخليّة الإسرائيليّة، إلى أنّه؛ منذ بداية احتلال إسرائيل للقدس الشرقيّة عام 1967 وحتى نهاية 2016، ألغت إسرائيل إقامة 14,595 فلسطينيًّا من القدس الشرقية على الأقلّ. هذا عدا العديد من الفلسطينيّين الذين يقيمون في القدس كأجانب (بدون اعتبار لعائلاتهم) حسب قانون "دخول إسرائيل" لعام 1952، وعدا منع العديد من المقدسيّين من العودة إليها، بعد أن دفعتهم ظروف المعيشة التمييزيّة القاسية إلى مغادرتها قسريًّا.
ويؤكّد التقرير: “يمكن أن يشكّل ترحيل أيّ جزء من سكان الأراضي المحتلّة، أو نقلهم قسرًا جرائم حرب، بموجب نظام روما الأساسيّ، للمحكمة الجنائيّة الدوليّة”.
أعتقد أنّ بيبي لا يسأل على موقف أبو مازن من التنسيق الأمنيّ والسلطة قائمة، وهو يتمايل ويتماوج على نغمات/رنّات الذهب والصفقات السياسيّة والاقتصاديّة و... مع حكّام دول عربيّة رجعيّين (أنظروا ما نشره موقع ويكيليكس عن الرجعيّة السعوديّة). فما قيمة موقف السلطة أمام هذا الانهيار العربيّ والتهافت السعوديّ/الخليجيّ على تقبيل يد بيبي!
لكن الشعب الفلسطينيّ (وأيّ شعب) قادر على "قلب الطاولة"، مثلما نجح بإزالة البوابات الإلكترونيّة والكاميرات عن مداخل الحرم الشريف في القدس، سوف يفرض دولته المستقلّة وعاصمتها القدس، بعد أن ينهي الانقسام، ويجمع صورته بناء على وجه الصفحة الثاني المقاوِم!