ما بين أرقام الأستاذ أسعد نصرالله الدقيقة وحروفنا المبعثرة
زياد شليوط
تلقيت بفرح وتأثر مؤخرا إهداء جميلا من انسان عزيز، أستاذي وزميلي المربي أسعد نصرالله (أبو الياس)، وهو اصداره الجديد " أرقام بحروف والرسم الهندسي". ومسيرتي مع أبي الياس طويلة وغنية.. أولا حين تتلمذت على يديه في المدرسة الابتدائية (ب) في شفاعمرو وكان مربيا ومديرا، وبعد سنوات عينت معلما في ذات المدرسة وكان هو مديرها (وحول اسمها الى مدرسة " جبور جبور" في عهده) وأصبحت زميلا له، وعملنا معا قرابة 16 عاما. وتميزت تلك الفترة بالنقاشات والخلافات تارة والاتفاق والانسجام طورا، لكن الاخلاص للمدرسة والطلاب كان عنوانها، وتعلمت منه الكثير. ثم بعد سنوات عدت ألتقيه كصحفي وكاتب يهتم بتاريخ البلدة وشخصياتها وأستمع منه وأدون ذكرياته وهي شهادة هامة على حقبة زمنية ولت.. واليوم وهو على مشارف التسعين يقدم لنا نموذجا في العطاء والعمل، ورغم بعدي عن عالم الرياضيات إلا أني سعدت بالكتاب، وأكثر بأن الأستاذ يستمر في مشوار العطاء حيث أصدر قبل عشر سنوات كتاب " قراءات في عالم الرياضيات".
يهدي المؤلف كتابه الجديد الى أبنائه وبناته الذين بادلوه محبته لهم متمنيا لهم كل الخير والتوفيق، فما أجمله من إهداء من والد قام بتربية أبنائه على سمو الأخلاق وتوجيههم نحو العلم ورسم لهم بالأرقام والحروف طريق الحياة الآمن أمامهم. ويقدم للكتاب بكلمات قليلة يوضح من خلالها وبايجاز شديد ما تضمنه الكتاب بأبوابه الخمسة.
ويكتب الزميل يوسف خوري، الذي خبرناه زميلا مجتهدا ومتواضعا ومخلصا لرسالته وطلابه وعمله، وزميل المؤلف في التعليم وفي "رابطة نشاطات الرياضيات في الوسط العربي"، في تقديمه للكتاب بأنه " شمل العديد من الأفكار الغريبة والعميقة في الرياضيات، على سبيل المثال: ترجمة التمارين المكتوبة بأحرف الى تمارين عددية مع أخذ كل المحددات والعلاقات الموجودة هناك والتي تعمق الادراك العددي لدى القارىء وخواص العمليات الحسابية لتوصل الى الترجمة الصحيحة".
ويتوزع الكتاب على خمسة أبواب وكل باب يضم عددا من الفصول. الباب الأول " أرقام بحروف" هو الأكبر من أبواب الكتاب ويتكون من تمارين حسابية تستبدل فيها الأرقام بحروف. والباب الثاني يحمل اقتراحات عملية من المؤلف لحل الطرق الحسابية بدل الجبرية. والباب الثالث يتناول الرسم الهندسي بواسطة مسطرة صماء وفرجار، والرابع يتعامل مع رسومات ومواضيع تساعد على التفكير للوصول الى القاعدة الصحيحة. أما الباب الخامس والذي حمل عنوان " طريقة لضرب بعض الأعداد" كان مقدرا له أن يدخل في مواد الكتاب الأول وألحقت بهذا الكتاب.
ثبتت على غلاف الكتاب صورة ايفاريست غالوا، وهو عالم رياضيات فرنسي عاش في القرن التاسع عشر، توفي متأثرا بجراحه وعمره 20 سنة. ويقال أنه أمضى ليلة وفاته يكتب رسائل إلى صديقه أوجست شوفاليي، كانت بمثابة وصيته في الرياضيات، وفيها كتب عن المعادلات التي تحل عن طريق جذور، وأعطى لمحات عن آخر أعماله في التحليل.
أما الكتاب فانه معد أساسا لطلاب صفوف المرحلة الاعدادية كما يشير المؤلف وللمطالعة الذاتية ممن يعشقون موضوع الرياضيات، وبما أننا مقبلون على سنة دراسية جديدة أتوجه بهمسة لمديري المدارس الاعدادية ومركزي موضوع الرياضيات فيها، أن يلتفتوا الى هذا الكتاب القيم بالتأكيد، وأن يقوموا باقتناء عدد من النسخ في كل مدرسة لفائدة الطلاب ودعما لمجهود مرب وأستاذ متخصص في الرياضيات، أفنى سنوات عمره يدرس الموضوع ويزود طلابه بكل ما هو جديد فيه، ونشط بسنوات عديدة تطوعا في رابطة نشاطات الرياضيات، ولم يلق حتى اليوم التكريم اللائق به، فلو أنه توفر قسم للثقافة والتربية في بلدية شفاعمرو لبادر الى تكريم الأستاذ أسعد نصرالله بما يليق باسمه ومسيرته وخدمته لأجيال عديدة من طلاب شفاعمرو، الذي يقدرون له مساهمته ودوره في التربية والتعليم.
عدت لأزور أستاذي أسعد مطلع الأسبوع الحالي، لأشكره على اهدائه الثمين وأطمئن على صحته، وقد علمت منه أنه غادر المستشفى قبل أسبوعين، وأثناء حديثنا وأنا أستمع لكلامه الذي يخرج بطيئا عادت بي الصور الى الماضي القريب حيث كان صوت أبي الياس يهدر في أرجاء المدرسة، ويركن طلاب الصف الى الهدوء قبل أن يدخل الى غرفة الصف، فيسمعون صوت دعساته من أول الردهة حتى يصل باب الصف وقد خيم الصمت على الطلاب خشية وهيبة.
واليوم أتمنى لأستاذي ومديري أسعد العمر المديد وموفور الصحة والعافية وأن يستفيد الطلاب من عمله الجديد وأشكره جدا على هديته الثمينة.. على أمل أن أتلقى منه عمله القادم ودمت أستاذي معطاء وقدوة.
( شفاعمرو)