زياد شليوط
عندما عزمت على كتابة هذا المقال وقد جاءتني فكرة عنوانه قبل أن أخطه، تسارعت الأحداث في مطلع الأسبوع الحالي وطغى خبر استقالة أو إقالة - على الأرجح - سعد الحريري من رئاسة حكومة لبنان، لم أعمد الى تغيير خطتي خاصة وأن أهل لبنان وهم أدرى بشعابهم ومسالكهم، احتاروا في تحليل هذه الخطوة ولم يملكوا المعلومات حولها، وان كان هناك شبه اجماع علني وصامت، على أن الحريري أجبر على اعلان الاستقالة من قبل السلطات السعودية، خاصة وأنها تمت على عجل في الرياض وليس في بيروت، لذا لن ألج هذا الموضوع نظرا لغموضه رغم أهميته.
ونعود الى موضوعنا الأساس، فقد سجل محور المقاومة المكون من الجيش العربي السوري وقوات المقاومة الاسلامية اللبنانية وايران وروسيا انتصارات هامة على قوات التطرف والظلام والارهاب الدولية، المتمثلة في عصابات داعش والنصرة ومن لف لفهما، وبدعم مالي من دول الخليج ودعم معنوي وعتادي من الدول الغربية وبدعم جغرافي من تركيا، وبات الحلف الثاني يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأخذت تدب الخلافات بين مكوناته، مع أنه لم يحن الوقت بعد ليكشفوا فضائحهم بأنفسهم وتعرية ذواتهم بألسنتهم، وقد أثبتت السنوات الست الماضية حجم المؤامرة ( نعم المؤامرة) على سوريا، الدولة والشعب والنظام، وبانت المخططات الهادفة لتقسيم سوريا بعد اغراقها بحمامات الدم وتهجير مواطنيها بعد تدمير بيوتهم وأماكن سكناهم وأعمالهم ودراساتهم.
انتصر محور المقاومة، محور السيادة والتحرر على محور الاستعمار الجديد و" الشرق الأوسط الجديد"، بعد طول صبر وتضحيات وصمود في وجه وسائل الاعلام والاشاعات والحرب النفسية، قبل الصمود أمام الآلات الحربية والأسلحة المتواردة على سوريا.. انتصر محور المقاومة لأنه عمل وحارب من أجل أهداف واضحة، وأهمها التصدي لمخططات الشر والعدوان والتدمير، من أجل المحافظة على الوطن السوري العريق، متعدد الانتماءات والديانات ، الدولة القومية التي شكلت آخر شوكة في حلق الاستعمار والامبريالية، والجيش الأهم نظاما وتحديثا والذي كان يشكل خطرا على الدولة العبرية باعتراف قياديين فيها.
كان من الطبيعي أن يعتمد أعداء سوريا وعلى رأسهم ما سمي بالمعارضة الذين ادعوا أنهم يقودون "ثورة" ضد النظام، وحلفاؤهم من امارات وممالك الخليج الغارقة في الفساد والتخلف والطائفية، على حليفهم الاستراتيجي والعنوان الأول في العداء لتقدم العالم العربي واستقلاله وللقومية العربية التي وضعت حدا لأطماعهم في خاصة في زمن القائد عبد الناصر، ألا وهي الولايات المتحدة وأتباعها في بريطانيا وفرنسا وسواهما من دول غربية استعلائية. ولم يخجل هذا التحالف النجس من استحضار مأجورين وقتلة وحشاشين وسجناء سابقين وقطاع طرق، ليجعلوا منهم عصابات ارهابية مأجورة عميلة لا تعرف سوى القتل بالأجرة، وأسموهم "ثوار"، وهل هناك أسوأ وأوضع من عمل كهذا يسيء للثوار والثورات. لكن بما أن "الويلات" المتحدة ليس لها رب تعبده، فهي لا تخجل كذلك أن تخدع حلفاءها.
انتصر محور المقاومة المدعوم من قبل روسيا، التي أثبتت في الفترة الأخيرة أنها أقوى دول العالم، بحيث استطاعت أن تلجم عنتريات الادارة الأمريكية سواء برئاسة أوباما أم ترامب، ووضعت حدا لهيمنة أمريكا في الشرق الأوسط، وباتت روسيا تملك مفاتيح كثيرة ولا يمكن الدخول من أبواب معينة دون اذنها، وهذا جاء اثر موقفها الصلب والواضح منذ البداية الى جانب الدولة السورية، وقد أغاظ هذا الموقف أعداء سوريا والعرب وقوى التحرر في العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة واسرائيل ومن يتبعهم حتى آخر فصيل تكفيري طائفي صغير، وهذا طبيعي. لكن أن تغيط وقفة روسيا المثابرة الى جانب سوريا فئات عربية محسوبة على النهج القومي فأمر يثير العجب والدهشة، وأن يتخذوا موقفا عدائيا لهم من روسيا ويوازوا بينها وبين أمريكا الاستعمارية فأمر يثير علامات السؤال حقا؟ ويأتيك من يقول لك وكأنه يحمل رأس كليب، بأن روسيا تفعل ما تفعله في سوريا انطلاقا من مصالحها، وأمام تلك الحالة العبثية تجد نفسك تستعير مقولة أديبنا الفلسطيني الساخر اميل حبيبي: " لأ يا شيخ؟"
نعم روسيا تنطلق من مصالحها وكل دولة في العالم تعمل وفق مصالحها، وخاصة اليوم بعد غياب المبادىء والعقائد، فما الغرابة في ذلك؟ أن تتطابق مصالح روسيا مع حماية سوريا وأن تقف بكل صلابة ومثابرة الى جانب حلفائها، لهو أفضل ألف مرة من أن تتطابق مصالح أمريكا مع مصالح عصابات الارهاب والدول الطامعة في سوريا وثرواتها أو الحاقدة على سوريا ونهجها العروبي الثابت، وقد شاهدنا كيف تخلت أمريكا عن حلفائها وأتباعها وتركتهم أيتاما، بينما أثبتت روسيا اخلاصها لحلفائها وبقيت الى جانبهم وتواصل الوقوف الى جانبهم بكل عزم واصرار، مما يجعل من يستند اليها مطمئنا الى مصيره ومستقبله.
( شفاعمرو/ الجليل)