في روايته (سيدات الحواس الخمس) الصادرة حديثاً في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر يعاين الروائي الأردني جلال برجس الحياة عبر حواس الإنسان، معولاً على فكرة الاستشراف وبرؤية أتت جراء ما ألم بعالمنا العربي من تغيرات لم تكن متوقعة. وينطلق برجس في روايته من العاصمة الأردنية عمان كأنموذج للمدينة العربية التي تعاني شتى أشكال التبدلات، عبر حكاية فنان تشكيلي أردني يدعى (سراج عز الدين)، والذي يخسر كل أحلامه أمام مطامع طبقة المفسدين التي تشكلت مؤخراً. (سراج عز الدين) الذي تميز باستثنائية حواسه التي يتساءل حائراً أمامها بعد أن فقد الدفء في وطنه، ومع زوجته التي لا يرى فرقاً بينها وين الوطن قائلاً: (لماذا لم يكن لحواسي القدرة على التنبؤ مسبقاً بما حدث لي؟). يهاجر سراج عز الدين بعد حدث صادم، يُكشف في نهاية الرواية، إلى أمريكا التي يصلها صباح 11 سبتمبر 2001 فيشهد حادثة تفجير برجي التجارة العالميين، ويغادرها عائداً إلى عمان عام 2010، في إشارة واضحة إلى إشكالية المرحلة التي تقع ما بين هذين التاريخين، وذهابها إلى ما بعدهما. مجمل أحداث الرواية تدور، إلى جانب أمريكا، في عمان وخاصة في (جبل اللويبدة) حيث تأتي الطاقة التخييلية للغوص في الواقع والخروج عليه؛ إذ يتتبع جلال برجس في هذه الرواية أثر التغيرات العالمية على الإنسان والمكان العربيين، وما حل بهما منتهياً رغم المصائر الغريبة إلى نتيجة تعلي من قيمة الجمال أمام كل السواد الذي بات يشوه وجه الإنسانية.
وعن الرواية قال جلال برجس، إن ما فكرت به حينما اصطادت مخيلتي فكرة هذه الرواية أننا يمكن أن نفاجأ بهشاشة ما نؤمن به، ونفاجأ بفداحة ما لم نتوقع حدوثه من قبل.
وأضاف برجس في تصريح خاص له، أن (الذي حدث في هذه الرواية هو كل ما يتعلق بحقيقة وجودنا الإنساني، وصراعنا مع فكرة العُش الدافئ، ومع الأيادي التي تمتد إليه، وتبعثره، فيأتي الصقيع. الصقيع الموجع لا يأتي إلا في غياب العش).
وقال ، ( في روايتي هذه خمس حواس، وسادسَةْ، وسراج عز الدين، وخمس نساء، ووطن، وأياد شرهة، ومصائر، وأمل يعول عليه، في زمن لا ينفع معه إلا الأمل. وفيها (غاليري الحواس الخمس) الذي بُني في الرواية على جبل من جبال عمان، قبالة مجموعة سليمان الطالع التجارية. مشروعان يتصارعان، النور قبالة الظلام الجديد، وفيها توق لإعادة الاعتبار لحياتنا التي باتت مثل الشرفات في مدننا تظلل بحجة الفضيلة)