لم  نَعُدْ كما كنّا ...!

(نص نثري)  أمين خير الدين  

لم نَعُدْ كما كنّا، يا أبي

الوحدةُ تقتُلُني.

أخي القريبُ على بُعْد

والبعيد على قُرْبٍ،

يعذّبني.

الحياةُ  حولَنا

كلُّها صلاةٌ

ونحنُ. لُقْمة بين فَكّي القَدَر

لا رائحةً لنا ولا طعما

ننتظرُ القدَر

ليأخذَنا  ويرحلَ

ليس بإمكاننا أن نفعلَ شيئا

سوى أن ننتظر.

أنا لستُ هنا يا أبي

ولا أنا هناك أيضا

وأنت على بُعْدِك عني

تعرف:

أنّك إنْ مُتَّ

ستولدُ من جديدٍ

لتعيشَ حياةَ طويلةً

أنا أراكَ يا أبي

بعينِ بصيرتي

أراك تضحك كثيرا

من زمنٍ،

يكره الناسُ فيه الكذب

لكنهم لا يحبّون الصدق

ليس كلّ شيء عندنا  يا أبي

كذبا

عندنا الموسيقى النقيّة

وبسمة الأطفال البريئة

وحنان الأمّ نبْعٌ

كلّها صدق

"وفي الليلة الظلماء"

يطلّ القمر صادقا

وتضيء الحياة المظلمة

نجومٌ متلألئة

أنت تعرف يا أبي

لا يمكنني أن أذكرَ أمي

دون أن أبكي.

أتذكر يوم  اشترت لي

من شيخ القبيلة، حجاباً

وخبّأته بين طيّات ثيابي.

كانت ذكيّة أمّي، يا أبي

عرفت أين تخبئه

كي لا أراه.

كنتُ ضعيفا يا أبي

وخفت من العتمة

ومن القَدَر

أنا لا أفهم المعاني المجرده

ولا معنى القَدَر.

أهوّ الموت فقط؟ يا أبي

إننا نذكر القَدَر

عند الموت  فقط!

لا نذكره في الأعياد،

و الاحتفالات.

مثل الله

نذكره ونتوب إليه

عند الألم!

لسنا كما كنّا

، يا أبي

وكما تعرفُنا

لقد فعل الزمان بنا

ما لم يفعله عدوٌّ

صرنا غرباء  يا أبي

في الشوارع

في المكاتب الرسميّة

في المقاهي

والنوادي

على أرضنا

حتى في بيوتنا .

صرنا في الغربة، غرباء

الغربة تأكلُنا.

كأنها القَدَر

لم نعد كما كنا

وكما تعرفنا – يا أبي!