بُقّ الحصوة يا عبّاس عن عبّاس
راضي كريني
كان الشابّ إحسان مساعد لكاهن الطائفة المسيحيّة سمعان في القرية، وكان إحسان سريع الغضب والاهتياج، وكثير الشتم والهجاء، أمّا الخوري سمعان فكان متماسكًا ورابط الجأش و... وكان يهدّئ بالشاب إحسان و... ويغطّي ويتأمّل و....، فيردّ إحسان: "مش قادر يا أبونا أتحمّل القرف". بعد مدّة، طلب الخوري سمعان مِن مساعده إحسان أن يضع في فمه حصوة صلبة؛ كي يمتنع عن فتحه والسبّ. نجحت الخطّة، وصان إحسان لسانه ... في أحد الأيَام القائظة، وبعد الصلاة سارا في طريق طويلة لزيارة أحد المرضى في قرية مجاورة، وصلا عند الظهر إلى طريق وعريّة شاقّة في سفح الجبل ... رأتهما الحاجّة شفيقة التي تسكن في بيت على قمّة الجبل، وأخذت تنادي وتستغيث "أبونا" أن يقضي لها حاجة. نظر إحسان إلى أبونا ووجهه يقول: "سيبنا من هالطلعة". فقال الكاهن: "عيب يا ابني، في وقت لزيارة المريض ... فلازم نعين المستغيث". وبدآ بتسلّق الجبل ... تعبا و... وصلا إلى الحاجّة شفيقة. سألها الخوري: خير يا حاجّة؟ أجابت: "يا أبونا بدّي تصلّي على القرقة الراقدة حتى يفقسوا البيضات ويخرجوا هالفراخ". التفت أبونا إلى إحسان وقال له: بقّ الحصوة والعن ....
بعد إعلان/قرار ترامب حول القدس، قال الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس متمالكا نفسه: إعلان ترامب حول القدس لا يحمل أيّ شرعيّة، وسنتّخذ إجراءات قانونيّة وسياسيّة ودبلوماسيّة ضدّه ...وإنّ أمريكا اختارت أن لا تكون وسيطا نزيها في عمليّة السلام، وأعلن عن رفضه الوساطة الأمريكيّة في عمليّة السلام، وعن توجّهه للحصول على العضويّة الكاملة في الأمم المتّحدة، ووقّع على 22 اتفاقيّة ومعاهدة دوليّة، تعزّز مِن مكانة دولة فلسطين على المستوى العالميّ، وتجعلها شريكة في مناقشة ومعالجة القضايا العالميّة الأساسيّة؛ وأضاف هناك 522 منظّمة من حقّنا الانتماء لها، و... وفاته أن يذكر الشعب الإسرائيليّ؛ لذا من حقّنا أن نطالبه بالتوجّه إلى الشارع الإسرائيليّ العربيّ واليهوديّ؛ ومن واجبنا أن نطلب من المثقّفين اليهود أن يشربوا الكأس المرّة، وأن يواجهوا شعبهم بالحقائق والاستحقاقات، كما شربناها واعترفنا ووافقنا على حدود الرابع من حزيران 1967.
لا أعتقد أنّ ثمّة رجعيّة غير عربيّة تستطيع أن تغفر ذنوب الولايات المتّحدة وتتجاوز عن سيّئاتها كما تفعل الرجعيّة العربيّة؛ فقبل 3 سنوات، برّرت الرجعيّة العربيّة استخدام الولايات المتّحدة الأمريكيّة حقّ النقض/الفيتو في مجلس الأمن، ضدّ مشروع قرار فلسطينيّ لإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ، وإقامة دولة فلسطينيّة على حدود 4 يونيو/حزيران، خلال عامين. ومنذ إقامة هيئة الأمم المتّحدة، سنة 1945، تتعاون الرجعيّة العربيّة مع الولايات المتّحدة في العلن، ومع حكّام إسرائيل في السرّ، وتتمظهر بالصمت ليصمت غيرها عن استخدام أمريكا حقّ النقض أكثر من 30 مرّة ضدّ القضيّة الفلسطينيّة، وأكثر من 40 مرّة دفاعًا عن الاحتلال الإسرائيليّ؛ فهل تابوا لنقبل توبتهم؟!
لكن، بعد قرار ترامب والفيتو الأمريكيّ، يحقّ لمحمود عبّاس أن يغضب، وأن يلتفت إلى عبّاس زكي، ويناشده: بقّ الحصوة والعن ... ولنعلن عن ... أوسلو، ولنطلق شرارة/إشارة ....