لماذا لا ننتقل إلى الدعم المنطقيّ والفعليّ ؟
راضي كريني
يزعجني اصطفاف القوى الانفعاليّ والعاطفيّ، وأن يقتصر ردّ فعل جزء، غير بسيط، من الناس على حدَث، أو مشهد، أو ... على ردّ الفعل العاطفيّ، وعلى مشاعر الحبّ والكراهية ويتوقّف عندها. ويزعجني أكثر أن يكون ذلك مقصودًا، ومبرمجًا؛ لجرّ الناس إلى خانة "نضال الصالونات" ونوادي ومقاهي الثرثرة السطحيّة، وإعمال الردح، و...، والشتم، ولرفع منسوب الحقد، ودرجة العنصريّة و...، ولعرقلة وإعاقة انتقال قسم كبير من الناس إلى مرحلة ردّ الفعل المنطقيّ وبالتالي السلوكيّ، وإلى عدم التأثير، وتحليل الحدث، وبحث ودراسة السببيّة (السبب والنتيجة) والحقيقة الموضوعيّة المستقلّة عن رأي ورغبة ووجهة نظر الداعين إلى إضراب العقل، وإلى نسيان النضال والعمل الثوريّ، والموقف من الاستغلال والمستغلّين، ومن الاحتلال ونتائجه، والدولة الفلسطينيّة المستقلّة ذات السيادة وعاصمتها القدس. ... و"افرح" يابيبي ويا ترامب ويا قامعي الشعوب؛ لقد جاءكم الفرج العربيّ والإسلاميّ من إيران!
ذكّرتني الأصوات التي نادت بسقوط إيران وحزب الله وسوريّة و... وانتعشت بعد الأحداث الإيرانيّة بالحوار غير المباشر الذي أداره محمّد سلماوي، رئيس اتّحاد كتّاب مصر، بين الكاتب نجيب محفوظ والشاب محمّد ناجي مصطفى الذي كلّفته/"شرّفته" الجماعة الإسلاميّة باغتيال المرتدّ، كاتب رواية "أولاد حارتنا"، بناء على أوامر وفتاوى أمير الجماعة (من امريكا) الشيخ عمر عبد الرحمن. ادّعى الشابّ أنّه يقرأ كثيرًا؛ فسأله السلماوي: هل قرأت الرواية؟ فأجاب: "أعوذ بالله وأستغفر الله، لم أقرأ حرفًا واحدًا من هذه الأعمال".
أذكر مرّة وقفت بجانب أحدهم في مظاهرة ضدّ فصل عمّال النسيج وإغلاق مصنع النسيج في عكا، وكان هذا يصرخ بأعلى صوته: فليسقط الاحتلال. فاعتقدت أنّ الأخ يعرف الربط بين النتيجة/الفصل والسبب/الاحتلال؛ فسألته بعد أن هدأت الهتافات: لمَن ناديت بالسقوط. فأجاب بسخرية باهتة: لأ، مش يسقط واحد من فوق (ويقصد وعد بلفور)؛ فليسقط الاحتلال. فسألته: طيّب، ومَن يعيش؟ فأجاب دون تردّد: فليعش الاحتلال. فسألته: لماذا؟ قال: عشان نضلّ نقبض!
هل المظاهرات في إيران هي نتيجة الصدام بين العمل ورأس المال، وتنادي بالقضاء على الاستغلال؟ هل هي خطوة في مسار تعزيز مكانة الفئات العمّاليّة والمسحوقة، وموجّهة نحو الحريّة والعدل والديمقراطيّة و... والاشتراكيّة عل الأكثر؟
أو هل بإمكانها، على الأقلّ أن تنتزع تنازلات لتحسين الوضع الاقتصاديّ، وشروط العمل، والحياة؟
من حقّ الإيرانيّين أن يناضلوا مِن أجل بناء نقابات ومؤسّسات ديمقراطيّة، ومن أجل تحسين الأجور، وخفض ساعات العمل، والتعليم المجّانيّ، ورفع مستوى الدعم في الخدمات الصحيّة والرفاه الاجتماعيّ و... ومن واجبهم أن يأخذوا بعين الاعتبار المظاهرات الجارية في فلسطين.
لكن، عندما يدعم بيبي نتنياهو، ودونالد ترامب، ومحمّد بن سلمان هذه المظاهرات، ويناشدون الإيرانيّين المشاركة فيها، وتعظيمها، و... فعلينا أن نطرح العديد من علامات السؤال حول إذا كانت المظاهرات في الحقيقة تنادي بتلبية الحاجات الاجتماعيّة والاقتصاديّة اليوميّة للجماهير الإيرانيّة.
وختاما، جدير بالذكر أنّ الثالوث الدنس نجح في تغيير جلده، وأن يتّخذ شكلا مموّها أكثر، مصحوبًا بتكتيكات عاطفيّة.