جلس محمود القرفصاء وامسك بيده قطعة صغيرة من الخشب وبدأينكث ويعبث بتراب الارض كالاطفال الصغار الذين يبحثون عن دودة الارض تلك الدودة الطويلة,الملساء الحمراء لونها,والتي تنكمش وتتمدد بحسب الظروف,لكنه هذه المرة لم يستطع العثور عليها بسهولة,فالفصل ليس فصل الشتاء,لكن الرطوبة ما زالت في الارض,لكنه سيبقى ينبش وينبش وينكث الى ان يعثر على واحدة.
لقد فكر مليا,ماذا بامكان تلك المخلوقة العجيبة التي تخترق التراب وتمشي بين اجسام وكتل ترابيةتفككها والفلاح يفرح جدا لوجود هذه الديدان,لكن فرح محمود هذه المرة يختلف كثيراعن فرح الفلاح.محمود اراد ان يضع هذه الدودة هذه المرة على عود صغيرمن عيدان شجرة الزيتون انتزعه خصيصالهذه الغاية,ويرفعها الى اعلى ويتطلع وينظر اليها جاهد النفس ويطيل النظرمتسائلا كيف بامكان تلك الدودة عمل شئ ما..وهو ليس بامكانه ذلك؟!لقد سمع من والده عندما كان صغيرا أن لا شئ يقف امام الارادة والعزم ...لكن امام ارادته تتلاطم افكار واماني من الصعب حتىعلى التفكير في امكانية تحقيقها..هذه الافكار تتلاطم مثلما تتلاطم امواج البحر الهائج منتجة لاشئ.
اين هي الظروف التي بامكانه ان يحقق هذه الاماني المسدودة المستحيلة المنال والتتحقيق؟؟!!لقد فكر وفكر مليا وطويلا..ماذا عسى ان يفعل,وقد سمع انهم في قريته قرروا القيام بعمل ما,وشئ ما من اجل هدف سام,لكنه لم يدر ما هو هذا لاعمل او ماهو الهدف السامي الذي من اجله اجتمعواليلة امس في بيت عمران,تلك الشخصية غير الحزبية المقبولة على غالبية اهالي وسكان القرية,سوى على فئة حزبية ملتزمة او تدعي الالتزام والحزبية,ولكنهاغير ملتزمة الا بشئ واحد,هو تحقيق المصلحة الحزبية الذاتية والشخصية.
لقد طال النقاش في بيت عمران وارتفعت الاصوات,وانقسمت الاراء وتشعبت كذلك الافكار,وتناثرت الكلمات كماتتناثر اوراق لاشجار في عاصفة خريفية شديدة,وبدأ السؤال الملح جدا,هل حقا لانستطيع الاتفاق على شئ لمصلحتنا وللصالح العام ؟!هل كل واح منا يريد ان يكون هذا الشئ اوذاك له او لغيره او مقتصر عليهم هم وحدهم فقط؟؟اين الحديث عن الجماعة والمجموعة والمصلحة العامة والمجتمع؟؟هل من المستحيل ان نتفق ولو لمرة واحدة وفي بيت عمران على ذلك الشئ الذي يسمى هدفا ساميا؟!او مصلجة عامة؟ اليس بامكاننا تناسي الخلافات الفردية والحزبية ان وجدت والعائلية,ان وجدت والحزبية ان استعصيت ولو لمرة واحدة؟!
وهكذا انفض اللقاء في بيت عمران دون ان تتخذ القرارات,وخرج الجميع..كل فئة تتهم الاخرى بافشال الفكرة والهدف من الاجتماع..لكننا لو توقفنا قليلاوفكرنا في حقيقة الامروالامور,وراعينا الاسباب والمسببات لوجدنا ان ما اختلفنا عليه كان تافها.ان تباين الاراء في اي مجتمع ديموقراطي او هكذايحلو لهم تسميته,لهو من مقومات هذاالمجتمع,لكن اين نحن من الديموقراطية؟!وحرية والفكر والتفكيروحرية الانسان والفرد في هذا المجتمع؟ لقد اكتسبنا من المجتمعات المختلفة المتغايرة الكثير من الامور,ولكن عندما يتعلق الامر بنا انفسنا,وبالبيئة والمحيط الذي نسكن ونعيش بين ظهرانيه,في قراه ومدنه,لا نطبق ذلك على انفسنا,بل نعادي و"نحارب"كل من يطبق ذلك.
جميع هذه الخواطرجالت في فكر محمود وهو يتامل تلك الدودة,هل حقا تتعاون هذه الدودة مع غيرها من الديدان ام انهم يختلفون مثلنا على كل شئ؟وفي كل ناحية ووجه,ووجهة نظر؟هل يوجد من يقول لها كيف تتجه والى اين؟وماذا تاكل وكيف واية اصناف؟ام ان هاديها الخالق عز وجل مسيرها؟!الهذا السبب يحبها الفلاح؟!الهذا يحافظها ويحاول عدم تقطيعها اثناء الحرث ان امكن ذلك؟!ام لهذاالسبب يطرد العصافير التي تتسابق عليها عندما" يشق" الفلاح اول تلم في ارضه؟او مايسميه الفلاح فتح الارض وشقها اي السكة الاولىللفلاح,كل هذه الاسئلة اشغلت بال محمود طويلا والذي قرر ان يعيد الدودة التي امسك بها الى الارض,بل يدفنها ويغطيها بطبقة من التراب,لكي تعود الى محيطها وبيئتها التي تعيش فيها واماكن سكناها وتنقلاتها ومساراتها وسيرها,لتعيش وتتاقلم وتساعد الفلاح على تفكيك تراب الارض مع غيرها من الديدان.فمتى يا هل ترى نستطيع نحن ان ان نتاقلم ونعيش في محيطنا وبيئتنا ونسهم في كثير من الامورمتناسين كل خلاف وتباين في الاراء مثل تلك الدودة؟!!!لقد احس محمود ان الوقت قد حان لمثل هذاالامر؟ ولا يوجد أي ظرف او وقت افضل وانسب من هذا الوقت الآن,ولا يوجد أي ظرف انسب من هذا ؟؟؟!!