جَرائم القتل: القَضاء, الشّرطة وَالمُجتمَع!
أرقام مخيفة مرعبة هزت المجتمع العربي قبل انقضاء العام الدموي 2017.
69 ضحية قتلت خلال عام واحد في مجتمعنا العربي آخرهم كان شقيقي.
نعم شقيقي الذي لقي مصرعه رميا بالرصاص وهو عائد من عمله وذلك يأتي بعد مقتل أخي قبل عامين أيضا على الرغم من عدم توافق بين الجريمتين المقشعرتين للأبدان. أنا لا أخجل لصراحتي, أنا أخجل من مجتمع يتشبت بآرائه المسبقه ويصدر أحكامه الظالمة على الإنسان لمجرد أن هناك أشخاصا من عائلته ذهبوا ضحايا للعنف. هذا ما أعانيه أنا شخصيا ككاتبه تحمل اللقب الأول في العلوم الاجتماعية والإنسانية ومربية تناهض على الدوام جميع أنواع العنف رغم العنف المستشري من حولها. هذا ليس سهلا أبدا إلا أنني ما زلت أكافح بصمود وصبر حادين.
ليس هناك ما يدعو للاستغراب أيها القارئ لما أكتبه وأقره. على العكس أنا أصر على كتابة ذلك لإيصال رسالة فحواها أن العنف يطال جميع فئات المجتمع. وحتى الفئة المثقفة أو المناهضة للعنف تطالهم هذه الجرائم الناكرة للانسانية وليست حكرا على فئة مجتمعية معينة فقط!
لكل نتيجة هناك أسباب ودلائل توضح ما سوف يأتي فيما بعد.
كل سلوك نابع من نقطة بداية معينة, الشيء الذي يؤكد على أن سلوك الدولة العنيف مع العرب منذ قيامها على أنقاض جراح الفلسطينيين وسلبهم أراضيهم بالقوة أدى مستقبلا إلى تتابع انتهاج مبدأ العنف والقوة والسيطرة في العديد من القضايا التي لم تعد سياسية فقط بل اجتماعية أيضا ويومية. تشربت المجتمعات ذاك النهج تدريجيا فيما بينها وبالأخص المجتمعات التي تعاني عنصرية أكثر في تعامل الدولة معها, حتى أصبح البقاء للأقوى وليس لمن له الحق على اعتبار أن هذا هو الروتين الذي اعتادوا على رؤيته على مدار السنوات.
ذكرت الصحف ومواقع الإنترنت العام الماضي نقلا عن مراكز الإحصاء, بأن نسبة الجريمة في العام 2016 كانت هائلة, حيث اعتبر العام المنصرم الأكثر بشاعة ضمن جرائم القتل. وراح ضحية العنف والقتل في مجتمعنا العربي ما يقارب ال56 ضحية. إلا أنه وكما يبدو أن الجريمة استفحلت أكثر وليس العكس. مقارنة مع العام الماضي فإن العام 2017 هو الأشد شراسة والأقسى حزنا. حيث وصل عدد ضحايا العنف إلى 69 ضحية أي ما يزيد عن العام الماضي ب13 ضحية.
كل هذا تزامن مع الصمت المجتمعي المريب وتقاعس جهاز الأمن وصعوبة فك رموز الجرائم وجمود الجهاز القضائي. تزايدت جرائم القتل لتعلو في العام الحالي صرخات الأمهات الثكلى. وبالتأكيد لا يقتصر التقاعس فقط على هذه الجهات الثلاث.
جهاز القضاء:
سوف أبدأ بجهاز القضاء على اعتبار أنه الجهاز الأقوى للتخفيف من وتيرة العنف عن طريق إقرار قوانين صارمة بحق المجرمين أو المقدمين عليها تستوجب التعقل والتريث, مثل إقرار قانون الإعدام (الذي لم أكن من مؤيديه يوما) على القاتلين المتهمين بالقتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد. إن المجرم الفعلي عندما يحول في ذهنه أن هناك أمل حتى لوكان ضئيلا في الكشف عن هويته ليتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه لاحقا, سوف يدرك خطورة الأمر وبالتالي هذا سيحثه على التفكير جيدا ما قبل الجريمة بل وربما مجرد التفكير في الإعدام وحده سيمنع تخطيطه وإقدامه لارتكاب الجريمة. مع الأسف جمود قوانين الجهاز القضائي وعدم تعديلها يؤدي إلى وجود قلة حيلة لدى الشرطة مما يودي بالتالي إلى تقاعسها سواءا كان مع قصد أو بدون. مثلا: عندما تعطي الشرطة النيابة العامة دلائل لا تعتبرها المحكمة كافية لإدانة المجرم هذا يدل على خلل معين يجب تعديله. لا يمكن إطلاق سراح مجرمين في قضايا قتل متعمد فقط لأن المحكمة لم تجد أدلة كافية ضده!! خروج القاتل إلى الحرية مرة أخرى سيؤدي إلى القتل مجددا على اعتبار أن (كل مرة سوف تسلم الجرة) وأن لا رادع أمامه. بالتالي المزيد من الضحايا والمزيد من تكاثر هذه الآفة المخزية.
هناك أمثلة كثيرة لقوانين يجب طرحها وسنها ليتم مداولتها في أروقة المحاكم. أحكام صارمة للمجرمين وعدم الاكتفاء بالسنوات القليلة. عندما يحصل قاتل مثل (عزاريا) على عقوبة مخففة (من العيب أن تسمى عقوبة أصلا) فهذا بمثابة مؤشر لضوء أخضر من قبل جهاز القضاء للقتل المتعمد. عدم الاستخفاف بالأدلة حتى وإن لم تكن كافية وراسخة فكم من مجرم حر طليق لعدم وجود أدلة كافية على جريمته النكراء.
على الجهاز القضائي الاهتمام أكثر بسن قانون مراقبة جدي وصارم على أسلحة الجنود لأنه وبكل صراحة فإن السلاح المنتشر بين أيادي المجتمعات المختلفة لا يأتي من الهواء أو من فراغ أو من مصانع لتصنيع السلاح أو من تصنيع يدوي السلاح المنتشر يأتي من أيدي أمنية. أؤمن إيمانا تاما بأن التعديلات البسيطة على القوانين قد تأتي بالفائدة مستقبلا.
جهاز الأمن (الشرطة):
من هنا سوف أتطرق لعمل جهاز الأمن على اعتباره القوة الثانية والحلقة الأهم بين جهاز القضاء والمواطن للتخفيف من وتيرة العنف في المجتمعات عامة والمجتمع العربي خاصة. فالشرخ التي ولدته الدولة سياسيا بين المواطن العربي وجهاز الأمن ما يزال مفتوحا بل وإنه على اتساع دائم. مع كل أسف المواطن العربي لا يثق كثيرا بالشرطة ولا بعملها وهذا ينبع من عوامل اجتماعية وسياسية عدة تراكمت مع مرور السنوات.
إن ما نسمعه يوميا تقريبا عن أشخاص داخل هذا الجهاز لهم قضايا غير لائقة وغير أخلاقية مثل التحرش أو الابتزاز أو المساعدة في القتل حتى سيؤدي بنا إلى نتيجة حتمية, وهي فقدان الثقة. إذا كان موظف هذا الجهاز يستغل وظيفته أو منصبه على اعتبار أنه قوة ليتورط ويقوم في أعمال مشينه على اختلافها, فماذا نتوقع من المواطن العادي؟ المواطن الذي لا بد أن يقتدي بالقدوة "الحسنة" التي تتمثل بجهاز الأمن والأمان؟!!
عندما تقر ماحاش (وحدة التحقيقات مع الشرطة) إغلاق ملف جريمة قتل أبو القيعان (مواطن اسرائيلي وليس فلسطيني) دون محاسبة للمجرمين فهذا يدل على أن الشرطة تجسد الدولة والدولة تستخف بقتل العرب داخلها وتعطي ضوء أخضر لقتلهم سوآءا على يد الشرطة أو غير الشرطة.
على الشرطة اللجوء إلى برمجة خطوات جديدة جدية هادفة والأهم أنها فعلية لتقوية العلاقة بين الشرطة والمواطن يتوجب عليها كسب ثقة المواطن ليكون باستطاعته التعامل معها باطمئنان بكل قضية وحدث. هذه البرمجة تحتاج إلى وقت طويل ليتم استعادة الثقة التي لم تكن موجودة أصلا منذ بدايات قيام الدولة ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة صحيحة وليس بفتح مراكز شرطة بكل بلدة والتي أثبتت من اليوم الأول عدم نجاعتها.
على الشرطة القيام بمطالبة أو مساهمة معينه لضمان سلامة مواطن الذي يحمل معلومات خطيرة تعود بالفائدة لقضية ما. إن سلامة مواطن يعتبر شاهد مهم أو غير مهم في قضية قتل هي من مسؤولية الشرطة وعلى الشرطة الاعتراف بذلك, إذا أراد هذا الجهاز أن يتقدم يدا بيد مع المواطنين فعلا. كم من شاهد قضى نحبه رميا بالرصاص ضحية إهمال الشرطة له وعدم ضمان سلامته. فلا يعقل ان يطلب من المواطن مد يد العون للشرطة وبالمقابل ليس هناك ضمان لعدم المس في حياته أو ممتلكاته. عندما يتوفر الأمن والأمان بشكل فعلي للمواطن فمن الطبيعي أن يتعامل المواطن مع الشرطة بسلاسة أكثر وثقة أكبر.
على الشرطة الإكثار من حملاتها لجمع السلاح وهذ ليشمل المدن العربية الكبرى أيضا وعدم الاكتفاء بحملات بسيطة أو صغيرة بين الفينة والأخرى في قرى عربية صغيرة فقط لنخرج معلنين للإعلام والمواطن أننا نعمل بجد.
يجب على جهاز الأمن التعامل مع قضايا القتل بحزم وجدية وليس المرور عنها مر الكرام دون فك رموزها! إن الجرائم التي يكشف النقاب عنها لا تكاد تتعدى النصف وفق الاحصائيات وهذا مقلق ومخيف. هناك جرائم لم يفك أي من رموزها بعد, وجرائم فكت بعض من رموزها إلا أن المتهمون لم ينالوا عقابهم وخرجوا إلى الحرية مجددا. وهناك جرائم لم يعبث بها حتى! بالإضافة إلى الجرائم التي فكت رموزها وبجداره. هذا يدل على أن هناك تحرك معين من قبل الشرطة إزاء هذه الجرائم ولكن ليس بالشكل الكافي.
المجتمع:
كلنا مذنبون, حيث يعتبر الصمت المجتمعي من العوامل الأساسية الثلاث لاستفحال الجريمة على الرغم من أن ذلك نابع ربما من عوامل كثيرة تؤدي إلى هذا الصمت.
لا يمكننا كمجتمع أن نتنصل من مسؤولياتنا اتجاه العنف واوزدياد وتيرته. فعلاج الموضوع يبدأ في لبه, ونحن اللب. لذلك يبدأ التغيير منا ليستهل باقي الأطراف. لكل طرف دور معين يجب أن يقوم به على أكمل وجه لنلقى النتيجة الصحيحة حتى لو أخذت وقتا لتحقق النتائج المطلوبة.
يجب على المجتمع الإيمان بأن يد واحدة لا تصفق أبدا. لذلك يجب علينا العمل جنبا إلى جنب لتتكون قوة حقيقية تتصدى للعنف وسبل انتشاره.
مجتمعنا يحتاج إلى الوعي الكافي. يحتاج إلى الجرأة لمقاطعة كل من يحمل السلاح قريبا كان أو جارا. مجتمعنا يحتاج إلى صقل المبادئ والأخلاق في البيت أولا ومن ثم في جهاز التربية والتعليم. العمل على تقوية النسيج الاجتماعي والأسري وعدم تفككه.
الجرائم في مجتمعنا العربي لا يعالج مضمونها, إنما ظاهرها فقط. وهذا من خلال مظاهرات لا تأتي بفائدة واجتماعات فارغة بكماء, إن كانت بين قيادات أو غيرهم من أصحاب المناصب.
إن جرائم القتل والعنف أصبحت كالنار التي تأتي على كل شيء عندما تشتعل. لكن حتى النار قد ينطفئ لهيبها الحارق إذا أطفئناها بالطرق السليمة التي لا تؤدي إلى اشتعالها مرة أخرى.
قيادات عربية بدون إنجازات فعلية للمجتمع, لا داعي لها.
مع كل أسف, صحيح أن الدولة ساهمت جدا في خلق هوية مشوشة للمجتمع العربي وساهمت في عدم استقرار هذا المجتمع على رأي واحد من خلال التفرقة الدائمة عبر السنوات والتي أدت إلى صقل مجتمع متخبط غير مستقر, عاجز عن اختيار مسار واحد ليأخذه دربا فعليا له. مع كل ذلك هذا لا ينفي وجود تشوه في أخلاقياتنا الداخلية والتي لا يجب أن تتأثر من أية عوامل خارجية ما دامت أخلاق صلبة ومتينة.
الأطراف الخارجية أرادت لنا الحضيض ونحن داخليا ساهمنا بذلك.
بقلم: أزهار أبو الخير- شَعبان.عَكا