زيارة سيّدنا الخضر،عليه السّلام..في ظلّ المكارم وكرم الأخلاق والأخوّة
بقلم:شريف صعب-أبوسنان
تمرّ السّنون وتتكرّر الأعياد والمناسبات ومعها ذكرى زيارة سيّدنا الخضر عليه السّلام،فيهبّ أبناء الطّائفة المعروفيّة ليتوافدوا، من كلّ حدب وصوب، من قراهم العامرة،إلى المقام الشّريف،ومع هذه العاصفة الدّينيّة تعصف عاصفة المكارم والأريحيّة،من جديد،فتهبّ الأخلاق الحميدة وطيبة القلب في إنسان آدميٍّ،دافئ الفؤاد،عزيز النّفسِ وطيّب المحتدِ والمشرب،شعاره "فتح القلوب قبل فتح البيوت"..لأبناء هذه الطّائفة الأبيّة،من مشايخ ووجهاء لهم مكانتهم واحترامهم،يأتون رغم برد كانون القارس...بقلوب دافئة،ويأتي أبناء الطّوائف الأخرى للتّهنئة بالعيد السّعيد!
في السّنوات الأخيرة،يقف على رأس المهنّئين الصّديق الصّدوق راعي قرية كفر ياسيف العامرة،رئيسُ مجلسها الأستاذ عوني توما،أبو مراد،الّذي تعوّد على تكريم المحتفلين،في كلّ عام،بالحضور والمعايدة والدّعوة إلى تناول طعام الغداء في بيته العامر.
هذا الرّجل المتميّز بابتسامته البريئة وبروح المحبّة، أقسم أن يُكرّم أبناء هذه الطّائفة بعيدهم...ما استطاع إليه سبيلا!
لقد صعد أبو مراد بأخلاقه إلى القمم عندما أعلن بنزاهة وبإصرار جعلَ هذا العيد المصادف في الخامس والعشرين من كانون الثّاني، يوم عطلةٍ رسميّةٍ في جميع مؤسّسات القرية ولأوّل مرّةٍ!
لقد زادت بهجةُ العيد وتمّتْ رونقًا بوجود البناء الحديث الّذي أُقيم وشُيِّدَ بالتّوجيهات الحكيمة لفضيلة الشّيخ أبو حسن ،موفّق طريف،الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة،المحترم!
أريد أن أُنوّه هنا إلى العلاقات الطّيّبة بين أبناء الشّعب الواحد في هذا الشّرق العزيز،هذه العلاقات الّتي شكّلت حجرَ أساسٍ في حياتنا إسلامًا،مسيحيّون ودروزًا،هذه الّلحمة الّتي لطالما تجلّت خلال الثّورة السّوريّة الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش،خالد الذّكر...وعلى مرّ الحقب.
ففي عام ألف وستّ مئةٍ وعشرين أمر طيّبِ الذّكرِ،الأمير فخر الدّين المعنّي الثّاني أن تُشيّدَ كنيسة البشارة،في الناصرة،من جديد،إكرامًا للرعويّة المسيحيّة في هذه الدّيار وفي المشرق،فشُيّدت وارتفع صرحها،ممّا حدى بالرّعوية إلى تخليد اسمهِ وعمله هذا على لوح رخام كبير وضِع على يمينِ مدخل الكنيسةِ،حتّى يومنا هذا.وبالطّبع أعطى "المعنّي" اهتمامه لباقي الطّوائف في نطاق حكمه ممّا حدى بالمؤرّخين أن يكتبوا عنه أنّه...ولد درزيًّا وعاش مسيحيًّا ومات مُسلمًا،لما كان له من منزلة مُعتبرة في التّاريخ!!
وعودة إلى الزّيارة الكريمة الّتي يستعدّ لها السيّد أبو مراد،عوني،والّتي اتّخذها مشروعًا شخصيًّا لإسعاد الوافدين إلى القرية العامرة، وعن طريق دعوة المحتفلين،من جميع أبناء الطّوائف، إلى بيته،قرّب القلوب وأعطى مثلًا يُحتذى في الإخلاص والمحبّة والمؤاخاة بين جميع الأديان والفئات،وعليه فنحن مدينون له ولمكارمه إلى ما شاء الّله،فالمثل العربيّ قال:"لاقين ولا تغدّين!"فهو ليس الطّعام، وإنّما النّيّة الصّافية...فالنّوايا،تسبق الأعمالَ!
لقد كان لي شرف الحضور،مع الكثيرين،إلى بيت المضيف،فلم أجد نفسي إلّا وأنا أقف إلى جانبه قائلًا ما قاله أبو تمّام،الشّاعر الفذّ لأحد زعماء خراسان ممّن أغدقوا عليه بمكارمهم ،فقال...مادحًا:
تراهُ إذا ما جئتهُ مُتهلّلًا كأنّكَ تُعطيهِ الّذي أنتَ سائلُهْ
تعَوَّدَ بسطَ الكفِّ حتّى لو انَّهُ أرادَ انقباضًا لم تُطِعْهُ أناملُهْ
فلو لم يكُنْ في كفِّهِ غيرُ روحِهِ لجادَ بها، فليَتَّقِ الّلهَ سائلُهْ
في النّهاية لا يسعني إلّا أن أدعو لأبناء طائفتي بالخير والسّعادة والمحبّة،وأن أدعو رئاسةَ الطّائفة،الدّينيّة والدُّنيويّة، إلى تكريم أبا مراد،الّذي يستحقّ التكريم،بمناسبة خاصّة،لإعلانه وإعطائه لقب"عزيز الطّائفة المعروفيّةِ"في هذه الدّيار،وكلّ عام والجميع بألف خير!