الخطر في إنكار الواقع بقلم راضي كريني
منذ 1948، عجزت حكومات إسرائيل المتتالية عن تعريف الدولة تعريفا ينسجم ويلائم واقعها ومكوّناتها، وأساءت التعامل مع المواطنين العرب، أبناء الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة؛ فحكومة اعتبرتهم عملاء، وأخرى طابورا مِن المخرّبين وقنبلة موقوتة، و... واليوم تعتبرهم حكومة بيبي أنّهم عرضة للمشاريع الإيرانيّة في المنطقة؛ وتقصد مشاريع تدمير إسرائيل!
في المؤتمر الدوليّ السنويّ الحادي عشر، المنعقد في تل-أبيب، في يومي 30-31 12018، عُقدت ندوة لمجموعة من الأساتذة الجامعيّين، ومن القيادات الأمنيّة الإسرائيليّين اليهود، ناقشوا فيها تعريف دولة إسرائيل بأنّها: "دولة يهوديّة ديمقراطيّة"، والخلافات الناتجة عنه في مجال الأمن القوميّ.
وممّا جاء في مداخلة بروفيسور سامي سمّوحة: إنّ طبيعة الدولة، والصراع بينها وبين الفلسطينيّين يصيغان العلاقات اليهوديّة العربيّة، إنّ نموذج "دولة يهوديّة ديمقراطيّة" لا يفي باحتياجات الأقليّة العربيّة، ويخلق الغربة بينها وبين الدولة ... فعلينا أن نفكّر في صيغ أخرى ملائمة أكثر للواقع؛ فدولة كلّ موطنيها التي اقترحها بيجن وميرتس ... يمكن تطبيقها دون إلغاء حقّ العودة ... وبالتالي لا تتأثّر الأغلبيّة اليهوديّة في البلاد، وسيتحقّق قدر أكبر من التضامن وتقبّل الآخر، والديمقراطيّة، وستسهم في جعل الأقليّة العربيّة هادئة، وأن لا تشكّل جزءًا من المقاومة الفسطينيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة!
لكن، يا بروفيسور سمّوحة، ماذا أبقت حكومات إسرائيل من الدولة الليبراليّة؟ ألم تقلّص حكومات إسرائيل المتتالية الهامش الديمقراطيّ على حساب توسيع مساحة القوميّ الاستعلائيّ، نكاية في الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة، وضدّ مصالح الأقليّات اليهوديّة في الدول الليبراليّة (خصوصا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وفرنسا، وكندا)، إلى أن جاءت حكومة بيبي نتنياهو اليمينيّة، لتنعى صيغة الدولة الليبراليّة، دولة كلّ مواطنيها، والدولة الديمقراطيّة، ولتفرض على الواقع المغاير "دولة يهوديّة" في صيغة الدولة القوميّة العنصريّة التي تمثّل الشعب اليهوديّ فقط؟
لا، لن تهدأ الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل، ولن تهدأ القوى التقدميّة اليهوديّة، وسيظهر الخيّرون، أمثال "رام كوهين" مدير المدرسة في تل أبيب الذي وصف عهد التميمي بالبطلة، مادامت دولة إسرائيل تحتلّ شبرًا واحدًا من الأرض الفلسطينيّة، وسيتضامنون مع المقاومة الفلسطينيّة الشرعيّة للاحتلال في الضفّة والقطاع.
لا يتحدّد مستقبل إسرائيل بناءً على صيغ وتعريفات اليمين الإسرائيليّ للدولة. فبن غوريون وعظمته تراجع عن تعريف الدولة بأنّها "دولة الشعب اليهوديّ"، واكتفى بأن تكون دولة إسرائيل لكافّة مواطنيها (وكان هذا أوّل طرح ونقاش جدّيّ لصيغة دولة إسرائيل لكلّ مواطنيها)، بعد أن عبّر يهود الولايات المتّحدة، على لسان بلاوشتاين، عن إخلاصهم وانتمائهم و... لأمريكا وليس لإسرائيل. (راجعوا محضر الجلسة بين بن غوريون وشاريت وغولدا مع يعقوب بلاوشتاين رئيس اللجنة اليهوديّة الأمريكيّة، بتاريخ 23-8-1950، في فندق الملك داوود في القدس.).
فلا يصحّ إلّا الصحيح؛ فتراجُع بن غوريون، وتصريح رام كوهن، ومقاومة عهد التميمي للظلم والاحتلال جميعُها مِن سمات الدولة القادمة، ومؤشّرات للمستقبل المشرق، رغم حلكة الليل الراهنة، وأنف اليمين الفاشيّ الإسرائيليّ الكبير.