العناصر المأساوية في المجموعة القصصية " عذرية بخمس قطع نقدية " لتغريد حبيب
بقلم : الدكتور منير توما / كفرياسيف
من اللافت عند قراءتنا لمجموعة الأخت تغريد حبيب القصصية التي تحمل عنوان " عذرية بخمس قطع نقدية " , وهو عنوان قصتها الأولى في هذه المجموعة من حيث الترتيب وزخم الموضوع المطروق في القصة على عدة صُعُد إنسانية , إجتماعية , جنسية وما الى ذلك من نواح ٍ متعدّدة الجوانب حيث تشير ُ قصص المجموعة الى طغيان العنصر المأساوي في الكثير منها بوجوه ٍ مختلفة من واقع الحياة سواء أكان َ ذلك من نسج خيال الكاتبة أم بفعل ِ حدث ٍ حقيقيٍّ أو قريب لحقيقة ٍ جرت أحداثها في دنيا الواقع وصيغت بشكل ٍ سردي ٍّ مُشوِّقٍ للقارئ النابه والمهتم بالعامل الإنساني في الحياة .
إن أول ما يستوقفنا في القصة الأولى من المجموعة التي ذكرنا أنّها تقع تحت عنوان " عذرية بخمس قطع نقدية " , تلك الحالة المأساوية التي تتعرض لها طفلة في العاشرة من عمرها والمتمثلة في حادث ِ اعتداء ٍ جنسيٍّ عليها من جانب ِ خالها الذي تعيش في بيته ِ بعد َ أن أرسَلَتها أمّها كي تعيش هناك لضيقِ حالتِهم الماديّة ولكوْنِ اسرة الأم متعدّدة ِ الأولاد , وبالتالي تخبرنا القصة بأنَّ الخال َ بعد اعتدائه ِ الجنسيّ على الطفلة المدعوّة " رحمة " إبنةِ شقيقتِهِ تخرجُ الطفلة من بيت خالها وفي يدها خمسُ قطع ٍ نقدية ٍ توحي بأنه أعطاها إياها كأجرة وتعويض عن عمله ِ اللاأخلاقي الشائن الذي فعله بها من اعتداءٍ فضَّ من خلاله ِ بكارتها وأفقدها عذريّتها وهي ما زالت في سنِّ الطفولة , لتتوالى الأحداث المأساوية ُ التي تلُفُّ حياتها لاحقاً وتؤدي بها أخيراً الى الموت المُفجع .
وقبل أن نخوض غمار التحليلِ الشامل ِ لهذه القصة , فإنه من المهم أن نتطرّق الى رمزية عنوان هذه القصة من حيث ما يرمزُ اليه العدد خمسة الذي يعود الى عدد القطع النقدية , وكذلك ما تعنيه ِ وتمثلُهُ قطع النقود هذه رمزياً .
إنَّ الخال – كما يُفهَم تلقائياً – بعد فعلته ِ الشنعاء باعتدائه ِ جنسياً وسلبِهِ لعذرية ِ إبنةِ شقيقته ِ الطفلة " رحمة " إنما أراد بمنطقهِ ووحشيّته ِ ونذالته ِ استرضاء َ " رحمة " فأعطاها خمسَ قطع ٍ نقديةٍ ثمناً لجريمته ِ النكراء , فالعددُ خمسة في هذا السياق يرمز جنسياً الى عدد الزواج أو الإتحاد التزاوجي بين الأنثى الممثّلة بالعدد إثنين الزوجي , والذكر الممثّل بالعدد ثلاثة الفردي , وهذا الرقم خمسة هو عدد الزواج أو التزاوج في ما يُعرف باللغة اليونانية hieros gamos أو
Hierogamy أي زواج مقدس بمعناها الحرفي وهو طقس جنسي لزواج بين اله والهه , خصوصاً حينما يحدث ممثلاً بطقس رمزي حيث يقوم مشاركون من البشر بتأدية وتمثيل دور الألهة . وهذه الرمزية تعكس سقوط معنى التزاوج البشري الطاهر النقي بمفارقة مؤلمة شنيعة تطيح بقداسته وسموه الإنساني في مثل هذا الوضع اللاأخلاقي بشدودهِ الوحشي .
أما القطع النقدية فترمز في هذه الحالة الى زيف الإنسان والانتقاص من قيمتهِ الإنسانية . بمحاولة شراء الشيئ العزيز الغالي لديه ِ بثمنٍ بخسٍ يحمل ُ معاني الزيف والغش , فكيف يكون هذا الأمر حين يُعتدى على العذرية ِ البريئة ِ والشرف الغالي باستغلالٍ دنيءٍ للبراءة ِ والطفولة ِ.
وبدمج ِ رمزية ِ الرقم خمسة والقطع النقدية يبرز لدينا مفارقة ٌ صارخة ٌ حين يعبّر الرقم خمسة عن
hieros gamos أي زواج مقدس , وما حصل مع " رحمة " الطفلة وخالها كان عملاً جنسياً قذراً قام به معتدياً بوحشية ٍ لا تقبلها الآلهة و وتشجُبُها مستنكرة ً إياها كل الأعراف البشرية , فالرقم خمسة بخلفياته المتعدّدة وتداعيات ِ معناه ُ , يرمز هنا الى العمل الجنسي البشري كطقس ٍ مُدَنّس بأَحَطِ دَنَس أي تدنيسي مُدَنّس للحُرمات ( sacreligious act ) .
وهنا مكمن المفارقة في المعنى irony ) ) , يضاف الى ذلك رمزية القطع النقدية ثمناً للنذالة والانحطاط الخُلُقي واستباحة ِ القيم ِ الأخلاقية بالاعتداء على البراءة والشرف بعمل ٍ جنسي ٍّ وحشيٍّ سافل .
ويتكرّر مشهد خمس القطع النقدية مع " رحمة " في دفعها لوجبة ِ المخدِّر للتاجر , حيث ورد في القصة ما نصّهُ هناك بأنّها " كانت تملك ُ خمسَ قطعٍ نقدية أخرى ناولتْه ُ إياها " ( ص 55 ) وهنا يُفهَم ما يرمز اليه الرقم خمسة بقطعهِ النقدية ِ بكونه ِ يمثل ُ عكس ْ ما هو شرعي ومستساغ إجتماعياً وإنما يرمز الى كلِّ ما يناقض ُ النقاء َ الإنساني والسلوك السليم والتمسُّك َ بالثوابت ِ الإجتماعية خُلُقياً , والذي يتأتّى من تأثير ِ عوامل الفقر , والتسيّب والانفلات الإجتماعي , واستغلال المستضعفين المسحوقين مهيضي الجناح في هذا المجتمع الذي يعُجُ بالبؤس والمعاناة ِ عند العديدِ من الشرائح والأطياف المهمَّشة .
ويلاحَظ في هذه القصة وفي غيرها من قصص المجموعة أنَّ الكاتبة قد تعمّدت الإتيان بأسماء تحمل كثيراً من الرمزية ذات المفارقات أي ما يعرف بالإنجليزية irony ) symbolic ) , فاسم بطلة القصة هنا هو " رحمة " مما يجعلنا نشعر بأنَّ هذه الفتاة لم ترحمْها الحياة ُ لا في طفولتِها ولا في صِباها ولا في زواجها . وهذا يدل على أنَّ في اسمها رمزية ومفارقة لافتة . وبنفس الكيفية نرى رمزية َ اسم أختها " فَرحة " فهذه الطفلة لم تفرح في طفولتها وماتت بفاجعة ٍ مأساوية ٍ أحزَنَتْ "رحمة " وذويها . ويتوالى الترميز في أسماء شخصيات القصة , فهذه هدى إبنة عمة "رحمة " لا تهتدي في علاقتها الآثمة مع سعيد ولا تعرف ُ معنىً للهُدى والهداية مع حبيبها سعيد المتزوج والذي يعدُها بالطلاق من زوجته ِ ليتزوّجها بذريعة عدم سعادته ِ في زواجه ِ , أي أنَّ في هذا الإدعاء مفارقة ً رمزية ً في أن السعادة َ بعيدة ٌ عن " سعيد " الذي يمثّل اسمه ُ معنى السعادة , ولكنه في الوقت نفسه ِ يلتمس شيئاً من السعادة في علاقته ِ غير الشرعية مع هدى . ويبقى لدينا عم
"رحمة " الذي يحمل أسم " فاضل " حيث أنَّ القصة َ تصوّرهُ رجلاً طيباً يعيش بمخافة الله , يمتاز بكونه ِ رجلاً شهماً فاضلاً كإسمِه ِ تماماً , يتّصف بالشفقة ِ نحو إبنة أخيه ِ "رحمة " بعد اغتصابها من شبّان ٍ مجهولين , فهو يقوم بتزويجها من إبنه ِ أحمد إنقاذاً للموقف , علماً بأنَّ إبنه ُ
" أحمد " كان مدمناً للمخدرات وتمَّ علاجُهُ وفطامُه ُ وزواجُهُ , لكنه عاد الى الإنحراف بعدَ إجهاض ِ زوجته ِ "رحمة " وفقدانها لحملِها , وبالتالي لم يكتسبْ بسلوكه ِ صفة " الحمد " الذي يحملها اسمه ٌ ليكون َ هناك مفارقة رمزية في معنى أسمه ُ .
ومما تصفهُ القصة أّنه عندما اختطفَ الشبّان "رحمة " في سيارتهم ليغتصبوها " ارتفع صراخها بين ثمار ِ البندورة وحبات التراب " ( ص 34 ) , وبعد حادث الإغتصاب , وجرى التحقيق في القضية , ورد أن المحقق " أخبرها وأخبر الوالدة َ أنه وجدَ غبار لقاح ِ أزهار البندورة عالقة بثوبها , مع أنّها وُجدت ملقاة على قارعة الطريق المؤدّية للقرية , حيث حقول القمح " ( ص36 -37 ) .
وهنا نجد ُ إشارةً ننكرّرُ لثمار ِ البندورة متعلقة بحادث ِ الاغتصاب , وفي ذلك تلميح ٌ الى ما تمثلهُ
ثمرةُ البندورة في هذا السياق حيث ترمز الى صفات ِ وخصائص ِ الخِصب properties ) ( fecundating
والحب الجنسي ةالذي يؤكد عليها في عددٍ من الطقوس والشعائر في الحياة اليومية لبعض الشعوب مثل عادة الأزواج من شعب البامبارا الذي يعيش في عدد من الدول الأفريقية الذي يأكلون البندورة قبل الانغماس في العملية الجنسية . وبما أن ما ورد في نص القصة حول عملية الاغتصاب فيه إشاراتٌ لثمرةُ البندورة في موضع الحادث , فإنه من الجدير بالملاحظة الى ما يعنيه ذلك من إيحاءات جنسية
على سبيل التضمين والترميز وفقاُ لسيرورة الحدَث .
وللإجمال , يمكنُنا القول أنَّ هذه القصة قد تُفَسَّر وتُؤَول على عدة صعُد ٍ ومستويات ٍ انطلاقا من عنوانها المؤطّر للأحداث التي تعرّضت لها بطلة القصّة "رحمة " والشخصيات الأخرى , فالعدد خمسة للقطع النقدية يرمز ويصوّر الإنسان بعد السقوط وكذلك علاقة الحب الجنسي والارتباط الزوجي , علاوةً على كون الرقم خمسة يرمز الى القوة والقساوة والفظاظة والخوف . وجميع هذه المعاني قد تمّ تداولها في القصّة وتتماشى مع سياق الأحداث كمرجعية لمعاني رمزية العدد خمسة المعتمدة في عالم الرموز . إلّا أنَ هناك تحفظاً لنا على جانبٍ مهمٍ في مضمون القصة حيث أنّه كان من المحبّذ لو أنَّ الكاتبة قد زوّدت ْ القرّاء بما تشوّقوا لمعرفته ِ حيال مرتكبي الجرائم الجنسية بحق بطلة القصة "رحمة " أي الخال الأثيم والشبان المغتصبين الأوغاد حيث كان يتوجب أن تقتص العدالة ُ منهم إما بعقاب ٍ سماوي أو بعقاب القانون لكي يكون عندَ القرّاء الإرتياح ولو جزئياً في أنَّ الحق لا بُدَّ أن لا يضيع وأن لا يذهب هباءً مهما كانت الظروف المحيطة بأحداث القصة المأساوية .
وبعد أن تناولنا القصة ألأولى في المجموعة بكثير من التفصيل , نجد في قصصٍ أخرى من المجموعة نقطة ً طالما واجهَتْنا فيها ثيمةُ الموت كما لمسناها بكثرة في القصة الأولى , وهذا أحدُ الجوانب ِ المأساوية ِ السائدة ِ في قصصِ المجموعة التي سنتطرق ُ في عددٍ محدودٍ منها الى موضوع أو ثيمة ِ الموت بإيجازٍ لنؤكدَ وجودَ قاسمٍ مشترك ٍ في العديد من موضوعات المجموعة القصصية هذه ِ .
في قصة " لوحة السيدة " ( ص117 ) تقدمُ لنا الكاتبة فنّاناً تشكيلياً موهوباً رسمَ ضمن لوحاته ِ الكثيرة ِ المعروضة ِ لوحةً مميزةً اسماها " السيدة " , تجتمعُ في هيئَتها كلُّ صفات ِ المرأة التي أحبّها مستوحياً ملامح َ الشخصيّة ِ من ملامح ِ زوجته ِ الغالية ِ على قلبه ِ كما أخبر َ السيّد َ عادل بركات الذي اشترى اللوحة ولم يدفع ثمنها فوراً , بل وعدَ الفنانَ منير أبو يوسف بأن يدفع َ لهُ ثمن اللوحة ِ في اليوم التالي لعدم ِ توفر ِ مبلغ الثلاثة آلاف دولار أثناء زيارته ِ للمعرض . ولكن من سُخرية القدر أنَّ الفنّان منير وُجد ميتاً في فراشه ِ صباح اليوم التالي . وتُبيّن لنا أحداث القصّة ِ أنه بعد َ مرور ِ سنة ٍ على وفاةِ منير قامت زوجتُهُ باسترداد ِ اللوحة التي اشتراها المُتموِّل ُ عادل بركات بأنْ دفعت ْ له ثمنها دون َ أن يخبرُها عن عدم ِ دفعه ِ ثمن اللوحة لزوجها , وأخيراً توضّح القصة لنا أنَّ عادل بركات قد باعَ مطعمَهُ بعدَ أن سرَقتْ زوجتُهُ ما يعادل أربعمائة َ ألفِ دولار وهربت مع أحد مستخدميهِ الى خارج البلاد .
إنَّ فكرة هذه القصة بسيطة غير معقّدة , لكنها تتضمّن مفارقةً ورمزية ً حول اسم المتموّل عادل بركات , فهو ليس عادلاً . بل مخادعاً سارقاً لأنه لم يدفع ثمن اللوحة التي اشتراها من الرسّام منير وادّعى زوراً أنّه ُ اشتراها وبالتالي قبض َ من زوجةِ الفنان المتوفى أكثر من ثمن اللوحة المزعوم حين استردتْ إيّاها , فهو بذلك لم يكن مُنصِفاً ولا عادلاً . بل لا تجتمع فيه البركات ايضاُ مما يتناقض مع اسمهِ لأنَّ اللعنات حلّت عليه ِ بهروب زوجته ِ مع عشيقها وسرقتِها إيّاه ُ , لينالَ عقاب السماء جراء تجاهله ِ لحقِّ الفنان المتوفى الذي غيَّبَهُ الموت , وفي ذلك مفارقةً رمزية فريدة ذات دلالة في عالم خيانة الأمانة والثقة من جهة يقابلها الخيانة الزوجية وعهود الإرتباط الحياتي من الجهة الأخرى .
أما قصة " أغنية الطفولة " فتصوِّر لنا بشجن ٍ بالغ حالتين من الموت لشخصٍ عزيزٍ على ابنته ِ التي أحبته دائماً وبادلها حُباّ غامراً مذ كانت طفلة ً صغيرةً , فحزنت حين فقد ذاكرته ُ نتيجة َ إصابته ِ بمرض الزهايمر فماتت ذاكرتُه ُ أولاً تجاهَها ليموتَ بعدها نحو الآخرة ِ , وليغمرَها الأسى بفقدانها أبٍ أحبّها كثيراً وأحبّتهُ بكلِّ جوارحِها , ولتبقى الذكريات اقوى من مأساة الموت .
ويبلغ الحزن أو الألم أوجُهُ عندنا وعند القارئ الحسّاس وفي اعتقادنا حينما يصل الى نهايات
قصة " في انتظار نزار " عندما نشهد ما فعله ُ موت ُ الأمّ ِ من أثر ٍ وجداني ّ ٍ مؤثرٍ مشوب بندم ٍ عارم عند أبنِها الطبيب نزار الذي لم يأتِ لزيارتها في آخر ِ عيدٍ للأم قبل وفاتها بعد انتظار ٍ طويل لهُ مؤملة ً نفسها بأن تراه أخيراً لا سيّما وأنه لم يتخلّف في السابق عن زيارتها لمعايدتِها في عيد الأم وهي التي بذلت كل التضحيات الجسيمة في تربيته ِ وتعليميهِ كي يصل الى مركز طبيب ٍ مرموق ٍ في المدينة مما أدّى الى ابتعادهِ عنها , وكان عزاؤها الوحيد في زيارته ِ لها
في عيد الأم .
وفي هذه القصة تكمنُ رمزية ٌ في اسم الإبن الذي أطلقت عليه الكاتبة أسم نزار الذي يعني القليل والنادر , ونعتقد أنها أرادت بذلك رمزياً أنّه كان مُقلِاً جداً في زياراته النادرة لأمه ِ التي ضحّت بالكثير من أجله ِ , فلم يقدّم لها سوى النزر اليسير من الوفاء على ما أغدقَتْهُ عليه ِ من محبة ٍ غامرة ٍ أوصَلَتهُ الى مكانتِهِ ووضعِهِ الحالي الممتاز , أي أنه كان ضنيناً عليها بتِبيانِ عواطِفِهِ تجاهَها فعلياً خلالَ حياتِها التي كانت تأملُ بل تتوقُ الى بقائها بجانِبِهِ بالجَسَد والروح , الأمر الذي لم يمنحَها إياه أو يوفّرْهُ لها , وقد كانت هي الأرملة التي كرّسَت شبابَها وحياتَها من أجله ِ وفي سبيل تربيتِهِ ورعايتِهِ والعناية به ِ .
وخلاصة القول أن الأخت الفنانة تغريد حبيب قد ابلَت بلاءً حسناً ونجَحَت الى حدٍ ملموس في فنِ كتابة ِ القصّة ِ القصيرة من خلال مجموعتها القصصية هذه " عذرية بخمس قطع نقدية " حيث اتّسَمت معظم قصص المجموعة ِ بالوحدة ِ والتركيز والتكثيف ِ باعتمادِها على حدَثٍ واحد ٍ أو موقف ٍ رئيسي ٍّ واحد مجسّدة ً بذلك الوحدة , بينما تمثَّل التركيز والتكثيفُ لديها بالاقتصاد ِ والشخوص ِ والزمان ِ واللغة ِ , وبذلك كان العددُ الأكبرُ من قصص المجموعة ِ قائماً على وحدة ِ الانطباع أو وحدة ِ التأثير بمعنى أنَّ جميع عناصر القصة ِ في هذه المجموعة ِ عمِلَت ْ متآزرة ً بقصدِ إحداث ِ الأثَر ِ الوجداني ِّ الذهني على القارئ انطلاقاً من كونِ كلِّ قصة ٍ لها معناها الخاص بعناصرِها من حَدَثٍ وشُخوص ٍ وبيئة ٍ مكانية ٍ وزمانية ٍ ولغة ٍ ومغزى بحيثُ تصوِّرُ كل قصة ٍ ما تُصوّرهُ فقط , أي تقدِّم ُ رؤيتها الحياتية بطريقتها الجمالية ِ الخاصة ِ من رموزٍ وإيحاءات ٍ وتضمينات ٍ وغيرها لتصل الى هدفِها النهائي في أن تضيف َ شيئاً الى فهمنا للحياة , واستنباطنا لمواقفَ جديدة ٍ من الرؤية التي تقدّمُها .
وأخيراً, لا يسعُنا إلّا أن نتقدم بخالص التهاني للأخت الفنانة تغريد حبيب بصدور هذه المجموعة القصصية , متمنين لها دوام التقدّم والنجاح , والمزيد من التوفيق والعطاء في عالم الإبداع الأدبي والفن التشكيلي .